كاراباج

ورغم أن الراشد تعتقد أنها وُلدت كفنانة، إلا أنها تشير إلى أن انتقالها وعيشها في لبنان في سن مبكرة أعطاها وجهة نظر فريدة من نوعها، أثرت تجاربها وألهمت الفرد الذي أصبحت عليه الآن، في إشارة إلى أن هويتها تعكس التباين الذي تأثرت به في مراحل حياتها، بعدما انتقلت إلى لبنان مباشرة بعد الحرب الأهلية، ما عمق مفاهيم مثل الانتماء والهوية لديها، وسمح لها بأن تكون شاهدة على البناء الخلاق للهويات من خلال الذاكرة الانتقائية والروايات التاريخية، والتي بحسب رأيها اُستخدمت بشكل دائم لتعبئة مجموعات معينة ضد غيرها.

وقالت الراشد: "يُشتهر لبنان بحرية التعبير، ولكنني كنت أنتمي إلى مجتمع محافظ لا يؤيد حرية التعبير وخصوصاً للنساء. علمت منذ سن مبكرة جداً أن حريتي كانت مقيدة بسبب خلفيتي الثقافية، ما أعطاني الفرصة لفهم معنى الحرية، من خلال تجربة عدم الحرية أو نقصها،" موضحة: "كنت أتعامل مع عودتي إلى السعودية، بمثابة أمر مؤقت، أو إجازة طويلة..مثل أي سائح،" ومستطردة: "لكني أدركت أن رفض أجزاء من هويتي لم يكن حلاً، لأنه وضعني مباشرة كغريبة في بلدي،" ومؤكدة: "شعرت بالمسؤولية لمشاركة من أنا كمواطنة سعودية، مواطنة جربت الحياة بشكل مختلف. وكان هذا التحول في الإدراك، نقطة مهمة بالنسبة لي كإنسانة وفنانة."

وعن أعمالها الفنية أشارت الراشد إلى أنها تعمل تبعاً لحدسها، وتنجذب إلى مواد محددة، أو ملاحظات، أو منهجيات، سواء على المستويين المفاهيمي أو العملي، لافتة إلى أن أعمالها تميل إلى الكثير من التجريبية والمرح.

أما العمل الفني الأكثر إثارة بالنسبة إليها، فهو بعنوان "Once we fell from the sky and Landed in Babel" والذي عملت عليه خلال إقامتها الأخيرة في مؤسسة الشارقة للفنون.

كما ودُعيت الراشد مؤخراً إلى متحف يوتاه للفن المعاصر، وأكملت إقامتها لمدة 6 أسابيع، حيث يُعرض عملها "In Progress" في معرض "مدن الأصالة،" وهو مبادرة تابعة لمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء" بالتعاون مع "كلتشر رانرز".

واعتبرت الراشد أن تجربتها في مشروع "Salt Lake City" ساعدها على النمو والتطور كفنانة، حيث استخدمت بعملها الفني الملح، ونسيج من القطن الأسود بنسبة مائة في المائة، إذ قالت: "لقد وجدت الملح بمثابة عامل مشترك في هذا التقارب الثقافي، إذ عندما هرب رواد المورمون إلى وادي بحيرة الملح، وجدوا البيئة جرداء وجافة وصعبة للبقاء على قيد الحياة،" وموضحة أن "رواد المورمون تمكنوا من التغلب على هذه التحديات البيئية، وخلق مدينة مزدهرة لإيوائهم والسماح لهم بالنمو والاستمرارية."

مفارقة قد تشبه البيئة القاسية في الصحراء السعودية، وتحدياتها التي هددت النمو والحياة، إذ أوضحت الراشد أن "وجود قباب الملح يشير عادة إلى وجود الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، إذ كان اكتشاف هذه الموارد الطبيعية بمثابة لحظة تحول في تاريخ المملكة العربية السعودية، ما سمح بالنمو والتقدم بشكل هائل."

واعتبرت الراشد أن المشهد الفني المعاصر في المملكة العربية السعودية ما زال في مهده، وينمو ويتغير بسرعة أكبر من أي وقت مضى، موضحة أن التحديات في المشهد الفني تتمثل بعدم وجود منصات، ونقص التمويل، وقلة الدعم من المؤسسات المناسبة.

وقالت الراشد إن "المشهد ما زال يُظهر النخبوية التي لا تستند إلى أي معايير فنية. ومع ذلك، فإن هذا يتغير. وتكمن الفرص بوجود مجالات كبيرة للنمو."

ولدى سؤالها عما تعنيه رؤية 2030 لها، قالت الراشد إنها "تعني الكثير من التغيير وعدم اليقين،" موضحة أن "يُوجد الآن اهتمام بتمكين سوق العمل وتنمية مواردنا البشرية. وترّكز هذه التغييرات أيضاً على التنمية الثقافية والفنية بهدف إثراء الحركة الفنية، والمساعدة في إنشاء رؤية جديدة للإصلاح الثقافي لتغيير السرد المعاصر، وسد الفجوة بيننا وبين الثقافات الأخرى. وهذا أمر مهم حقاً بالنسبة إلى تقدمنا."

أما عن خبر السماح للمرأة بقيادة السيارة، فقالت بلقيس إن "الخبر لم يُعتبر مفاجأة.. ولكن مشاهدة هذا الأمر يحصل كان بمثابة شعور غامر، ولقد شعرت بالراحة، وبما أن الحلم والواقع، اصطدما في اللحظة الراهنة، فلقد شعرت بالفخر لأني سعودية."

وإذا كان لها أن تصف هذه اللحظة في التاريخ في عمل فني، فبرأيها سيتمثل بـ"أداء الشارع-جنازة عامة،" إذ برأيها أن هذا الأمر يحمل الكثير من الرمزية، لمرحلة التغيير التي نمر بها اليوم. وهذه ليست نهاية تقاليدنا وثقافتنا، بل احتفال بتحولها وعملية الحياة الطبيعية، والحداد على ما لم يعد بوسعنا الاستمرار فيه، والانتقال إلى مكان أفضل ولكن غير مؤكد.

مواضيع: بلقيسالراشد،