جدل دستوري في تونس بعد استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ

  17 يوليو 2020    قرأ 597
جدل دستوري في تونس بعد استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ

أثارت المتغيرات السياسية الحارقة التي عرفتها الساحة السياسية في تونس خلال الـ 48 الساعة المنقضية، والتي شهدت استقالة رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، وتمرير لائحة برلمانية لسحب الثقة منه، مرورا إلى إعفاء وزراء النهضة من مهامهم، جدلا دستوريا واسعا حول كيفية قراءة الدستور في غياب المحكمة الدستورية ومدى شرعية القرار الأخير.

فمن ناحية أولى، بات مصير الحكومة بعد استقالة الفخفاخ معلقا بين فرضيتين، الأولى اعتماد لائحة سحب الثقة التي تم تمريرها أمس إلى مكتب مجلس نواب الشعب، وهو ما يفرض تحوّل مبادرة تشكيل الحكومة الجديدة إلى ملعب البرلمان. أما الفرضية الثانية فتتمثل في اعتماد استقالة الفخفاخ من منصبه وهو ما يعني تولي رئيس الجمهورية من جديد مهمة تفويض الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة بالتشاور مع الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية.

أما الإشكال الثاني فيتعلق بمدى شرعية قرار رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ إدخال تغييرات في الحكومة بإعفاء وزراء حركة النهضة من مهامهم بعد سويعات من تقديم استقالته، ومدى مطابقة هذا القرار لمقتضيات الفصل 98 من الدستور الذي ينص على أن "استقالة رئيس الحكومة تعد استقالة للحكومة بأكملها".

وكان مكتب مجلس نواب الشعب قد تلقى أمس عريضة لوم لسحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد جمع ما يزيد عن 105 إمضاءً من كتلة حركة النهضة (54 نائبا) وقلب تونس (27 نائبا) وائتلاف الكرامة (19 نائبا) وكتلة المستقبل (9 نواب) وعدد من النواب المستقلين، بعد "توفّر معطيات جدية وشبهات قوية تؤكد شبهة الفساد وتضارب المصالح المتعلقة بملف الفخفاخ" وفق تصريح إعلامي لرئيس كتلة المستقبل.

عقب ذلك بدقائق قليلة، قدّم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ استقالته إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد اجتماع رباعي جمع كلا من رئيسيْ الحكومة والجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، انتهى بإعلان رئيس الجمهورية قبول طلب الاستقالة.

بعد ذلك بساعات قليلة، أعلن رئيس الحكومة المتخلي إلياس الفخفاخ، بوصفه رئيسا لحكومة تصريف الأعمال، إعفاء جميع وزراء حركة النهضة من مهامهم وتعيين كل من الفاضل كريم خلفا لوزير الدولة للنقل واللوجستيك محمد الأنور معروف، والحبيب الكشو خلفا لوزير الصحة عبد اللطيف المكي، وغازي الشواشي خلفا لوزير التجهيز منصف السليطي، وأسماء السحيري خلفا لوزير الشباب والرياضة أحمد قعلول، وشكري بالحسن خلفا لوزير الشؤون المحلية لطفي زيتون، ولبنى الجريبي خلفا لوزير التعليم العالي والبحث العلمي سليم شورى، بوصفهم وزراء بالنيابة.

إجماع على فوقية الاستقالة

وفي قراءة لهذه المتغيرات، قال أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار في حديثه لـ"سبوتنيك"، إنه "بناء على منطوق الدستور وبناء على قراءة الفصلين الـ98 الذي يهم الاستقالة والـ97 الذي يهم لائحة سحب الثقة، فإن منطق الاستقالة الذي يقوم على الفورية يجعلها تجبّ ما قبلها وما بعدها وتمحو أي مسار دستوري آخر.

وشدد المختار أنه لا مجال اليوم للحديث عن الاستمرار في لائحة سحب الثقة لأن الحكومة بحكم الدستور والقانون هي حكومة مستقيلة، معتبرا أن المضيّ في لائحة سحب الثقة من حكومة مستقيلة أصلا هو من قبيل المزايدات القانونية، مؤكدا أن جميع أساتذة القانون الدستوري يجمعون على هذه القراءة القانونية.

وتابع أن على رئيس الجمهورية الآن إعلام رئيس البرلمان باستقالة الحكومة، ومن ثمة يتم البدء في المسار الدستوري الذي يحيل فيه الفصل 98 على الفصل 89، موضحا أن رئيس الجمهورية سيكون مدعوا في أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ اليوم إلى اختيار الشخصية الأقدر وذلك بالتشاور مع الكتل والأحزاب والائتلافات النيابية.

وتساءل المختار عن الآلية التي سيعتمدها رئيس الجمهورية هذه المرة في إجراء المشاورات، معتبرا أن اقتصاره في المرة السابقة على تضييق دائرة المشاورات لتشمل الأحزاب والائتلافات البرلمانية دون سواها واعتماد طريقة إدارية بتلقي مقترحات الأحزاب عبر مكتب ضبط الرئاسة هو أسلوب غير ملائم، وفقا لتقديره.
ودعا المختار رئيس الجمهورية إلى توسيع دائرة الاستشارة في اختيار الشخصية الأقدر واعتماد أسلوب اتصالي يكون أكثر مباشرتية، متابعا أنه يبقى لرئيس الجمهورية سلطة التقدير التي يتحمل فيها مسؤوليته السياسية، مذكرا باختياره غير الموفق للفخفاخ، وأكد أن هذا الفشل يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في تقدير الشخصية الأقدر القادمة.

حل البرلمان ممكن حسابيا

وبيّن أستاذ القانون الدستوري أن الشخصية الأقدر ستكون مطالبة بتشكيل الحكومة في أجل لا يتجاوز الـ 30 يوما، متابعا أن على رئيس الحكومة المفوض تقديم قائمة وزرائه إلى رئيس الجمهورية إما قبل انتهاء هذا الأجل أو بانتهائه، لتعرض لاحقا على البرلمان.

وفي هذا الصدد، شدد المختار أنه في حال عدم قبول البرلمان بالحكومة الجديدة فإن فرضية حل البرلمان وإعادة الانتخابات التشريعية تصبح ممكنة حسابيا، موضحا "إذا ما اعتبرنا أن أجل الستة أشهر (الذي لا يمكن قبله حل البرلمان) ينتهي يوم 26 آب 2020، وأن أجل الأربعين يوما (الذي ينتهي بعدها أجل مشاورات تشكيل الحكومة) ينتهي يوم 25 آب 2020، فإن على رئيس الحكومة المفوض أن يقدم يوم 25 آب 2020 قائمة وزرائه إلى رئيس الجمهورية الذي سيحيلها يوم 26 آب 2020 إلى رئيس البرلمان الذي سيحدد بدوره جلسة التصويت عليها في حدود يومين أي يوم 28 آب 2020.

وأكد المختار أنه بحلول هذا الأجل (28 آب) فإن البرلمان ستكون خارج أجل الستة أشهر، وهو ما يعني أن لرئيس الجمهورية الحق في حل البرلمان، معتبرا أن هذا الحل ينطوي على سيناريو سياسي خطير، منبها من كلفته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على البلاد.
إعفاء وزراء النهضة غير دستوري

وفيما يتعلق بقرار رئيس الحكومة إقالة وزراء حركة النهضة من مهامهم، قال أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار، إنه "لا يمكن لرئيس حكومة مستقيل أن يقيل أعضاء حكومته المستقيلين أصلا بموجب استقالته هو"، متابعا "قانونيا لا يمكن إقالة من كان مستقيلا استنادا إلى الفصل 98 من الدستور الذي ينص على أن استقالة رئيس الحكومة تعد استقالة للحكومة بأكملها".

ويرى المختار أن هذا القرار يناقض مبدأ دولة القانون وفكرة الجمهورية وأنه يندرج ضمن العبث السياسي والمؤسساتي، واصفا إياه بـ "المناكفة السياسية الخارجة عن حدود اللعبة السياسية المقبولة".

قرار شرعي

وعلى عكس ذلك، اعتبرت أستاذة القانون الدستوري منى كريّم في حديثها لـ"سبوتنيك" أن القانون يفرّق بين المشروعية والشرعية.

وأوضحت أنه من الناحية الشرعية أي من الناحية القانونية البحتة، فإن "من حق رئيس الحكومة إقالة أي وزير في حكومته، استنادا إلى مضمون الفصل 92 من الدستور الذي أعطى لرئيس الحكومة هذه الصلاحية".

وأضافت كريّم، أنه لا يمكن اعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال منقوصة الصلاحيات، وإنما هي حكومة مكتملة وقائمة الذات تمارس كامل الصلاحيات المتاحة لها بالدستور إلى حين تسليم العهدة إلى الحكومة الجديدة.

وبينت أن الدستور ذكر مرة واحدة حكومة تصريف الأعمال في الفصل 100 الذي ينص على اعتبار الحكومة حكومة تصريف أعمال في حال الشغور النهائي لمنصب رئيس الحكومة، وهو شرط لا يتطابق مع الوضعية الراهنة".

أما من الناحية المشروعية أي من الناحية السياسية البحتة، تساءلت كريّم عن قدرة رئيس الحكومة على مواصلة العمل مع أطراف في حكومته ينتمون إلى حزب عبر عن عدم ثقته فيه.

واعتبرت أن المناخ السياسي المتوتر بين رئيس الحكومة وحركة النهضة لا يسمح بمواصلة العمل في ظروف طيبة، خاصة وأن الحكومة تخضع إلى مبدأ التضامن الحكومي والانسجام السياسي.
وشددت كريّم أن قرار الإقالة ربما يندرج في إطار ردة فعل يصفها البعض بالصبيانية لكنه قرار مورس في إطار القانون وبالتالي لا يمكن الطعن في شرعيته.

وكانت حركة النهضة قد عبرت في بلاغ لها اليوم عن "استهجانها مما أقدم عليه رئيس الحكومة المستقيل من إعفاء لوزراء الحركة من مهامهم، لما يمثله هذا القرار من عبث بالمؤسسات وردة فعل متشنجة، وما يمكن أن يلحقه من ضرر بمصالح المواطنين والمصالح العليا للبلاد وتعطيل المرفق العمومي وخاصة في قطاع الصحة".

 

 

 

 


مواضيع:


الأخبار الأخيرة