تجددت المواجهات مساء الأحد بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية اللبنانية في اليوم الثاني من التظاهرات التي رفعت شعار محاسبة الطبقة السياسية، في وقت يزداد الضغط على الحكومة التي استقال منها وزيرا الإعلام والبيئة بعد انفجار مرفأ بيروت.
وشارك 15 رئيس دولة وحكومة في مؤتمر نظمته فرنسا، التي زار رئيسها إيمانويل ماكرون بيروت الخميس، عبر الفيديو لمساعدة لبنان.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية أن المساعدة العاجلة التي تعهد المشاركون في المؤتمر تقديمها بلغت 252.7 مليون يورو.
والأحد، قدمت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد استقالتها من الحكومة لتكون أول عضو في مجلس الوزراء يقدم على تلك الخطوة بعد الانفجار، إذ كان وزير الخارجية السابق ناصيف حتي استقال قبيل وقوع المأساة.
وقالت في كلمة بثتها وسائل إعلام محلية: "بعد هول كارثة بيروت، أتقدم باستقالتي من الحكومة متمنية لوطننا الحبيب لبنان استعادة عافيته في أسرع وقت ممكن".
بدوره أعلن وزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار مساء الأحد استقالته من الحكومة.
وقال قطار في بيان: "أمام هول الفاجعة ومع انسداد أفق الحلول على وقع التجاذبات العبثية وفي ظلّ آليات نظام عقيم ومترهّل أضاع العديد من الفرص، قرّرت أن أتقدّم باستقالتي من الحكومة".
وتفيد تقارير بتوجه عدد من الوزراء نحو الخطوة ذاتها.
ودعا البطريرك الماروني بشارة الراعي الأحد الحكومة التي قال إنها "باتت عاجزة عن النهوض بالبلاد" إلى الاستقالة.
كما استقال منذ الأربعاء سبعة نواب من البرلمان.
وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن جلسات مفتوحة للمجلس النيابي ابتداءً من الخميس "لمناقشة الحكومة عن الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها".
وأسفر انفجار مرفأ بيروت الثلاثاء عن تدمير المرفأ ودمار هائل في محيطه، ومقتل 158 شخصاً وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين، وتحدثت وزارة الصحة عن وجود 21 مفقوداً.
وبعد أيام من العمل المتواصل، أعلن الجيش اللبناني الأحد أن الأمل بات ضئيلاً في العثور على أحياء تحت أنقاض المرفأ المدمر.
وعلى وقع التحركات الغاضبة في الشارع، دعا دياب السبت إلى انتخابات نيابية مبكرة. وأمهل الأطراف السياسيين "شهرين حتى يتفقوا".
وبينما كانوا يتابعون بعجز الانهيار الاقتصادي المتسارع في بلدهم، ويعيشون تبعات الوضع الهشّ الذي أضيف إليه تفشي كورونا، أتى انفجار مرفأ بيروت ليشكل أكبر كوارث اللبنانيين.
ومنذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نزل مئات الآلاف الى الشوارع ناقمين على الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحمّلونها مسؤولية الأزمات المتلاحقة التي أنهكتهم. واستقالت حكومة سعد الحريري على وقع غضب الشارع.
إلا أن وتيرة التحركات تراجعت تدريجاً بعد تشكيل حكومة دياب، ثم انتشار وباء كورونا، قبل أن يعيد انفجار مرفأ بيروت اللبنانيين إلى الشارع.
وعلى جدار مطل على مرفأ بيروت، كتب أحدهم بخط عريض "حكومتي فعلت ذلك".
وتواف المئات توافدوا الأحد إلى وسط بيروت بعد دعوات حملت شعارات "علقوا المشانق لأن غضبنا لا ينتهي بيوم واحد".
وقالت تمار: "صديقتي شاركت في تظاهرات 17 أكتوبر(تشرين الأول) ونحن صديقاتها الثلاث ذهبنا أمس إلى قبرها" بعدما قُتلت في المطعم الذي تعمل فيه بمنطقة الجميزة في الانفجار.
وتضيف "دفنا صديقتنا وأتينا إلى بيروت نصرخ مطالبين بالحرية والعدالة لمن ماتوا". وتابعت "لا تكفي استقالة الوزراء، يجب محاسبة من وضع المتفجرات، نريد محكمة دولية تخبرنا من قتلها".
وتجددت المواجهات الأحد بين المحتجين الغاضبين والقوى الأمنية.
وعند المدخل المؤدي إلى مقر البرلمان، رشق عشرات المتظاهرين القوى الأمنية بالحجارة والمفرقعات النارية، وحاولوا إزالة الحواجز الحديد، وردت القوى الأمنية بالغاز المسيل للدموع بكثافة، وذلك غداة مواجهات عنيفة أوقعت عشرات الجرحى من الطرفين.
ويطالب المتظاهرون بمعاقبة المسؤولين عن الانفجار، ورحيل الطبقة السياسية، واستقالة الحكومة الحالية، التي تشكلت في بداية العام الجاري من اختصاصيين سمتهم أحزاب سياسية.
ولا يفرق المتظاهرون بين الأحزاب الموالية للحكومة أو المعارضة لها، إذ انهم ينتمون بالنسبة لهم إلى الطبقة السياسية ذاتها التي تتحكم بالبلاد منذ عقود.
ورددوا شعارات عدّة بينها "الشعب يريد اسقاط النظام" و"انتقام انتقام حتى يسقط النظام" و"كلهم يعني كلهم" في إشارة إلى الطبقة السياسية برمتها.
واقتحم عشرات المحتجين السبت وزارات عدة بينها الخارجية، والاقتصاد، والطاقة ومقر جمعية المصارف، قبل أن تخرجهم القوى الأمنية والجيش.
وأسفرت المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية السبت عن إصابة 65 شخصاً، نقلوا إلى المستشفيات، وفق حصيلة للصليب الأحمر اللبناني.
وأثار الانفجار تعاطفاً دولياً مع لبنان الذي زاره مسؤولون غربيون وعرب تباعاً، وتتدفق المساعدات الخارجية إليه.
ودعا ماكرون في بداية المؤتمر الدولي الأحد إلى "التحرك سريعاً وبفعالية" لضمان وصول المساعدات "مباشرةً" إلى الشعب، وحض السلطات للاستجابة "للتطلعات التي يعبر عنها الشعب اللبناني حالياً بشكل مشروع في شوارع بيروت".
وقال ممثلو ثلاثين بلداً بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الفرنسي في بيان صدر في ختام المؤتمر، إن "المشاركين توافقوا على أن تكون مساعدتهم منسقة بشكل جيد برعاية الأمم المتحدة، على أن تقدم مباشرة إلى الشعب اللبناني مع أكبر قدر من الفاعلية والشفافية".
وحض ترامب الحكومة اللبنانية على تحقيق "كامل وشفاف" في انفجار مرفأ بيروت، حسب بيان للبيت الأبيض عن مشاركته في المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان.
وقالت الرئاسة الأمريكية إن ترامب دعا إلى الهدوء في لبنان مع إقراره بـ"شرعية الدعوات التي أطلقها المتظاهرون السلميون إلى الشفافية والإصلاحات وتحمل المسؤوليات".
وقدّرت الأمم المتحدة بنحو 117 مليون دولار قيمة المساعدات التي يحتاجها لبنان في الأشهر الثلاثة المقبلة، لتلبية الاحتياجات الطبية، ومتطلبات الإيواء، وتوزيع المواد الغذائية، وتنفيذ برامج لاحتواء تفشي فيروس كورونا، وغيرها.
وفي مرفأ بيروت ومحيطه، يتواصل رفع الركام والبحث عن أشلاء الضحايا.
وقال قائد فوج الهندسة في الجيش اللبناني العقيد روجيه خوري في مؤتمر صحافي: "من الممكن أن نقول إننا انتهينا من المرحلة الأولى، وهي مرحلة إمكانية العثور على أحياء".
وأضاف "باستطاعتنا القول إن الأمل ضعف في العثور على أحياء".
وحسب السلطات، فإن الانفجار نجم عن حريق في مستودع خُزّن فيه 2750 طنّاً من مادّة نيترات الأمونيوم المصادرة من احدى السفن منذ 2013 دون إجراءات حماية لازمة.
وأفاد مصدر أمني وكالة فرانس برس الأحد بأن "خبراء التفجير الفرنسيين اكتشفوا أن انفجار المرفأ خلف حفرة بعمق 43 متراً".
وأوقفت السلطات أكثر من عشرين شخصاً على ذمّة التحقيق بينهم مسؤولون في المرفأ والجمارك، ومهندسون. وأفاد مصدر قضائي وكالة فرانس برس باستجواب منتظر لكبار قادة الأجهزة الأمنية في المرفأ.
24ae
مواضيع: