تأثير انفجار بيروت على عمال سوريين

  25 أغسطس 2020    قرأ 836
  تأثير انفجار بيروت على عمال سوريين

يحرم انفجار بيروت عمالاً سوريين من أبنائهم ومنازلهم ومصدر رزقهم.

لحظات قليلة قلبت حياة أحمد رأساً على عقب، فحرمه انفجار مرفأ بيروت من زوجته واثنتين من بناته، فيما انتُشلت الأخريان بأعجوبة على قيد الحياة من تحت أنقاض منزل العائلة التي فرت من سوريا بحثاً عن أمان لم تجده في لبنان.

 

وأمام ركام منزله في منطقة الكرنتينا المحاذية لمرفأ بيروت، والأكثر تضرراً من الانفجار، يقول أحمد حاج اصطيفي لوكالة فرانس برس: "أشعر وكأني فقدت عقلي، أغمضت عينيّ وحين فتحتهما وجدت كل شيء حولي قد تغيّر".

ويضيف "خسرت كل شيء في لحظة. كنا عائلة من ستة أشخاص، بتنا عائلة صغيرة، أنا وابنتي".

يعمل أحمد، المتحدر من مدينة إدلب في شمال غرب سوريا، منذ سنوات طويلة في لبنان. يتنقل من عمل إلى آخر لتأمين لقمة العيش.

وفي 2014 ومع اشتداد المعارك في سوريا، قرر أن تلحق به عائلته في لبنان، لكن "الأمان" الذي راهن عليه لم يدم طويلاً.

بعد الانفجار، هرع أحمد عائداً إلى منزله، وكان أول ما رآه جثة ابنته لطيفة، 22 عاماً قرب جدار المنزل الذي "لم يبق فيه حجر على حجر".

انضم شباب المنطقة وعناصر الدفاع المدني إليه لانتشال باقي أفراد عائلته، ليجد ابنته جود، 13 عاماً وزوجته خالدية 40 عاماً، جثتين هامدتين.

ولم يتمكن المنقذون من إخراج ديانا 17 عاماً، التي لم تكل من الصراخ مطمورة تحت سقف المنزل الذي انهار عليها، إلا بعد 11 ساعة من العمل المتواصل.

يقضي أحمد نهاره اليوم مع ابنتيه ديما 14 عاماً، وديانا التي ترقد في المستشفى بسبب إصابات بالغة في رجليها.

وجل ما يطمح إليه اليوم هو السفر إلى الخارج.

ويقول: "كنت أبحث عن مستقبل أفضل، لكن هذا لم يحصل.. لا أفكر في العودة إلى سوريا طالما أن لا أمان هناك".

ويضيف "لا أريد اليوم سوى أن أؤمن لابنتي لقمة العيش وأبحث عن وسيلة أسافر بها إلى الخارج... أريد العيش بأمان معهما".

وتعد الكرنتينا من أفقر أحياء بيروت، وزاد الانفجار من معاناة قاطنيها نظراً لموقعها المحاذي للمرفأ.

على غرار بقية السكان، أطاح الانفجار بمبنى صغير وغرف خشبية، كان عدي قطان يتقاسمها مع شقيقه وعميه، وأولاد أعمامه، وجميعهم سوريون، كانوا يعملون حمالين في المرفأ، وخسروا مع الانفجار مصدر دخلهم.

تصدعت بعض جدران المبنى، وتهدم بعضها الآخر، وانهار سقف غرف، بينما تبعثرت المقتنيات بين الركام.

تلفزيون هنا ومرآة خشبية هناك، ولعب أطفال بين الحجارة. أما الغرف الخشبية فباتت مجرد ألواح مكسرة.

يتردّد المشهد نفسه عند أبنية أخرى مجاورة، بينها بيوت كانت مهجورة وأخرى غادرها سكانها على عجل بعد الانفجار، لتصبح الحارة الصغيرة أنقاضاً، دُفنت بينها ذكريات قاطنيها.

لم يبق أمام عدي وأقاربه إلا النوم في العراء بين الركام. يضعون فرشاً في باحة المنزل، ويعلقون ثيابهم على حبل غسيل، ويطبخون ما توفر على موقد صغير على الغاز.

ويقول عدي لفرانس برس: "لم يبق لنا عمل أو سكن.. نجلس هنا طيلة النهار ولا شيئاً نفعله".

بعد الانفجار، الذي نجوا منه بأعجوب"، أرسل المتزوجون منهم أفراد عائلاتهم للسكن مؤقتاً لدى أقاربهم في شمال لبنان، في انتظار أن يجدوا منزلاً جديداً يؤويهم أو فرصة عمل.

ويجدون أنفسهم اليوم محاصرين، إذ لا يمكنهم العودة إلى سوريا باعتبارهم مطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية، فضلاً عن فقدان منازلهم جراء المعارك والقصف في مسقط رأسهم بمحافظة حماة، وسط سوريا.

قبل عام، فر عُدي من سوريا والتحق بأقربائه العاملين في المرفأ، بحثاً عن الأمان ولتوفير لقمة عيش عائلته. وقبل الفاجعة، كان يشاهد مع أقاربه الحريق الذي سبق الانفجار.

ويقول: "لم أشهد شيئاً مماثلاً حتى خلال تسع سنوات من الحرب في سوريا".

ويضيف "في سوريا، كنا إذا سمعنا صوت الطيران نختبئ، وبعد الغارة ننهض ونزيل الغبار عن أنفسنا ونكمل حياتنا، هنا فجأة وقع انفجار أطاح بكل شيء حولنا".

ولطالما شكل لبنان ملجأً للسوريين الباحثين عن العمل، قبل أن ينضم إليهم مئات آلاف اللاجئين الفارين من الحرب.

وكان سوريون في عداد ضحايا الانفجار الذي أوقع أكثر من 180 قتيلاً وأكثر من 6500 مصاباً.

وأعلنت السفارة السورية في بيروت أن 43 من مواطنيها في عداد الضحايا. كما أحصت الأمم المتحدة مقتل 13 لاجئاً وإصابة 224 آخرين، بينما لا يزال مصير 59 آخرين مجهولاً، دون تحديد عدد السوريين منهم.

وليس الانفجار أول كارثة تحل بعائلة قطان، فالانهيار الاقتصادي المتسارع منذ أشهر أطاح بقيمة مدخولها اليومي الذي كان يعادل 30 دولاراً، وبات اليوم يساوي مع انهيار قيمة الليرة يساوي نحو 6 دولارات.

وبعد مرور ثلاثة أسابيع على الانفجار، لا يزال محور أحاديث العائلة، وغالبية أفرادها يعيشون في لبنان منذ ما قبل اندلاع النزاع السوري.

يقول أحدهم ساخراً لتورطهم عالقين بين حرب مدمرة في بلدهم وانفجار وأزمة اقتصادية في لبنان: "ضربتان على الرأس تؤلمان".

لدى وصول سيارة تقل مساعدات، يسارع كل منهم إلى أخذ صندوق يحوي كيسي معكرونة، وعلبة بسكويت، وعبوتي مياه، وبضعة معلبات.

ويقول نصر، إنهم أحياناً لا يحصلون على مساعدات لأنهم سوريين، وتبلغهم الجهات الموزعة بأنها معنية فقط باللبنانيين.

ويضيف "كنا نعمل لنأكل ونشرب ونؤمن بدل إيجار المنزل.. الآن لم يبق لنا أكل ولا شرب ولا أموال، ولا بلد، سواء في سوريا أو في لبنان".

24ae


مواضيع:


الأخبار الأخيرة