وتقول المحللة الاقتصادية كلارا فيريرا ماركيز في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إنه رغم أن مثل هذه الإجراءات الوقائية طال انتظارها، فإنها في الوقت نفسه تعتبر إقراراً بأن عودة رحلات السفر الخالية من المشاكل لا تزال بعيدة المنال.
ويرجع ذلك جزئياً إلى أن فيروس كورونا المستجد لا يزال ينتشر بسرعة، مع ظهور سلالة جديدة أسرع انتقالاً وقد تكون أشد فتكاً، ولا يواكبها تقدم في توفير اللقاحات المضادة.
وإلى جانب ذلك فإنه في حين تتعلق آمال كبيرة بوجود ما يسمى بجواز سفر التطعيم أو المناعة، الذي يدل على أن حامله حصل على تطعيم ضد الفيروس، أو لديه مناعة بفضل تعافيه من المرض، لا تزال الأبحاث والدراسات غير قادرة على تحديد شكل هذا الجواز الذي يمكن الاعتماد عليه.
ويرى كثيرون أن هذا الجواز يمكن أن يكون نسخة رقمية من شهادة التطعيم القديمة ضد الحمى الصفراء التي كانت ترافق وثائق السفر، وهذا التصور يعتبر حلاً مألوفاً وبسيطاً لكنه ليس الأفضل.
وتضيف ماركيز أن مثل هذا النوع من التصاريح أو جوازات المرور الصحية، سيصبح جزءاً من حياتنا في السنوات القادمة، لسبب بسيط هو أنه لا عودة إلى الوضع السابق للجائحة، وإن حدثت العودة فلن تكون في وقت قريب.
وهناك بالطبع اعتراضات صحيحة على فرض مثل هذا النوع من جوازات المرور، تتعلق بحماية الخصوصية واحتمالات ممارسة التمييز ضد فئات معينة على أساس بيانات الجواز، ولحسن الحظ فإن التكنولوجيا الجيدة والسياسة السليمة قادرة على التغلب على هذه المخاوف.
ولاحظت مجموعة من الباحثين في دراسة نشرتها مجلة لانسيت الطبية المرموقة في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، أنه نادراً ما يعد تباين الخبرات والتجارب سبباً وجيهاً لمنع الحصول على الرعاية الصحية، ولا يجب أن يزيد عدد المتضررين من التدابير السليمة لحماية الصحة العامة عن الحد الأدنى التي تفرضه هذه التدابير، حسب ماركيز.
ولحسن الحظ أيضاً فإن لدى الحكومات الآن الوقت الكافي للتركيز على سبيل المثال، على تلبية احتياجات الفئات التي غالباً ما تكون مهمشة أولاً وليس أخيراً، وتسريع حصولها على جرعات اللقاح، وضمان أن تسهل و لاتُصعب المبادرات الحصول على هذه اللقاحات.
وعلى صعيد البيانات الشخصية، هناك بالفعل تطورات مشجعة، ويمكن اعتبار تكنولوجيا "كومن باس" التي يدعم تطويرها المنتدى الاقتصادي العالمي ومبادرة "كومنز بورجيكتس" غير الربحية من أجل تطوير تكنولوجيا للاستخدام العام، أداة تسمح لكل شخص بمعرفة إذا كان يلبي كل الاشتراطات الخاصة بالسفر إلى البلد الذي يريده، أما لا.
وفي الوقت نفسه فإن هذه التكنولوجيا تقلل بشدة المعلومات الشخصية المطلوبة، وتخزن على الهاتف الشخصي أو لدى مصدر هذه المعلومات، ولا يعني وجود "جواز السفر التطعيم" هذا أننا أصبحنا على وشك العودة إلى حركة السفر الطبيعية عبر حدود الدول، وأنهعلى وشك دفعنا جميعاً إلى التحرك مرة أخرى.
فالمشكلة الأولى كما يقول ليونيل لوران الكاتب والمحلل في وكالة بلومبرغ للأنباء تكمن في أن عدد المؤهلين للحصول على هذا الجواز، سواء من الذين حصلوا على التطعيم أو على المناعة بعد تعافيهم من المرض، قليل، وجرعات اللقاح تتوفر ببطء شديد.
والمشكلة الأولى هنا كما أوضح لوران، أنه ببساطة لا يوجد عدد كافٍ من الذين منحوا اللقاح على نحو يسوغ هذا الجهد وجعله مهماً، فالجرعات تأتي ببطء شديد.
ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أننا نفتقر إلى الكثير من المعلومات المطلوبة لتكون الجوازات بديلاً للحجر الصحي، وحظر السفر، إذ لا نعرف ما يكفي عن فعالية جميع اللقاحات التي ستتوفر على نطاق واسع، ولا نعرف بالضبط إلى متى تستمر الحماية التي يوفرها اللقاح، ولا توجد معلومات كافية عما إذا كان التطعيم يحد من انتقال العدوى، أو يقضي عليها تماماً.
وفي المقابل فإن "جواز سفر التطعيم" سيساعد بشكل ما في نهاية المطاف على إعادة فتح الاقتصادات وعودة حركة السفر، والحد من لعنة الإغلاق، والحجر الصحي، ورغم أن التطعيم قد يكون هو المعيار العالمي لتحديد المسموح لهم بالسفر والحركة، ورغم أن الحصول على المناعة سيكون الحل الأمثل، ستظل هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات لتجنب الشعور الزائف بالأمان والعواقب غير المقصودة.
وفي الأثناء، من المتوقع أن نواصل في القرن الحادي والعشرين محاولة السيطرة على حركة الفيروس بطرق مختلفة قليلاً عن الطريقة التي استخدمها أهل فينيسيا في القرن الرابع عشر، وقد نجد أنه يمكن تمديد فترة الحجر الصحي للوافدين الجدد، كما في هونغ كونغ، لمنع دخول الحالات التي تستغرق فترة حضانة أطول للفيروس، وعلى الأقل أصبحنا نعرف أن العزلة فعالة في الحد من انتشار المرض.
24ae
مواضيع: