العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني

  22 فبراير 2021    قرأ 750
العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني

استغرق الأمر 7 أعوام بين لقاء دبلوماسي أمريكي كبير بنظيره الإيراني في صيف 2008، لإبرام الاتفاق النووي الرامي إلى الحيلولة دون امتلاك طهران أسلحة نووية.

ولا يتوقع أحداً أن تمر هذه المدة الطويلة ذاتها للتأكد من قدرة الجانبين على إحياء الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، غير أن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين يقولون إن الطريق سيكون طويلاً وشاقاً، إذا بدأ الطرفان السير فيه.

ويوم الخميس الماضي، قالت إدارة الرئيس جو بايدن إنها على استعداد لإيفاد مبعوثها الخاص روب مالي للقاء المسؤولين الإيرانيين، وبحث سبل العودة إلى الاتفاق الذي توصلت إليه طهران وست قوى عالمية. 

ورغم أن طهران أطلقت إشارات متباينة في البداية، انتهج وزير خارجيتها محمد جواد ظريف نهجاً متشدداً أمس الأحد بقوله إن "الولايات المتحدة لن تتمكن من العودة إلى الاتفاق النووي قبل رفع العقوبات".

وبيت القصيد من الاتفاق هو أن تقلص إيران برنامجها لتخصيب اليورانيوم، بحيث تزداد صعوبة تخزين مادة انشطارية تكفي لإنتاج سلاح نووي، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية وغيرها من عقوبات سارية عليها، وتنفي إيران السعي لامتلاك السلاح النووي.

ومن الناحية النظرية سيكون من الصعب تحديد مسار لإحياء الاتفاق الذي تقع تفاصيله في 110 صفحات تمثل بنوده وملاحقه، وعلى أرض الواقع سيمثل ذلك تحدياً لسببين، أولهما عشرات العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق في مايو(أيار) 2018، وثانيهما الخطوات التي طبقتها طهران وخالفت بها الاتفاق، رداً على قرارات ترامب وذلك بعد الانتظار أكثر من عام.

ورغم أن الجانبين ركزا حتى الآن علناً على مسألة من يخطو الخطوة الأولى لإحياء الاتفاق، إذ يصر كل منهما على أن يكون الآخر هو البادئ، قال مسؤول أمريكي إن من الممكن تنسيق ترتيبات الخطوات.

وقال: "لا أعتقد أن مسألة من يبدأ ستكون هي أصعب المسائل"، وأضاف "الصعوبة تكمن في تحديد الكيفية التي يرى بها كل جانب الالتزام بالاتفاق"، مشيراً إلى تحديد العقوبات الأمريكية التي يمكن رفعها ومسألة الخطوات التي أخذتها إيران، فهل يمكن الرجوع عنها كلها؟.

مسجونون وفصائل بالوكالة
واستدعى الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران وبريطانيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، رفع واشنطن العقوبات المرتبطة بالمسألة النووية فقط عن طهران، وبعد الانسحاب من الاتفاق فرض ترامب عشرات العقوبات الجديدة لأسباب أخرى، بينها اتهام إيران بدعم الإرهاب.

ويقول خبراء إن بايدن سيواجه مخاطر سياسية وربما يستحيل تلبية مطالب طهران برفع هذه العقوبات، في ضوء انتقادات الجمهوريين وربما بعض أعضاء حزبه من الديمقراطيين.

وقال هنري روم من مجموعة أوراسيا البحثية: "هذه مسألة في غاية الحساسية السياسية في الولايات المتحدة لأن عدداً منها طبق عن عمد بمقتضى السلطات الخاصة بالإرهاب"، وأضاف "سيتعين على فريقي التفاوض الخوض في عملية مستفيضة لتحديد ما سيبقى، وما سيُرفع".

وثمة تحد آخر يتمثل في دعم إيران لفصائل في منطقة الشرق الأوسط تعمل لحسابها، بينها فصائل متهمة بشن هجمات على القوات الأمريكية.

وفي أخطر هذه الهجمات منذ عام، أسفر هجوم صاروخي على قوات تعمل تحت قيادة أمريكية في شمال العراق يوم الإثنين الماضي، عن مقتل متعاقد مدني، وإصابة جندي أمريكي، الأمر الذي يزيد صعوبة ظهور واشنطن بمظهر الذي يتنازل لإيران.

ومن أوجه الصعوبة الأخرى الرغبة الأمريكية في الإفراج عن أمريكيين مسجونين في إيران، وهي قضية قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض إن "واشنطن بدأت مباحثات حولها مع المسؤولين الإيرانيين".

ومن الممكن الرجوع عن بعض خطوات إيران المخالفة للاتفاق النووي مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67%، وزيادة مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب، ولكن ربما لا يسهل الرجوع عن خطوات أخرى.

ومن هذه الخطوات الخبرات التي اكتسبتها من أنشطة البحث والتطوير باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، والتي من شأنها أن تساعد إيران في رفع تخصيب اليورانيوم إلى 90%، الدرجة اللازمة لتصنيع السلاح النووي، إذا قررت ذلك، وقال روبرت آينهورن من مؤسسة بروكينغز البحثية: "كيف يمكن التراجع عن المعرفة التي اكتسبوها؟".

وتواجه السلطات في طهران أيضاً خياراً حساساً يتعلق بالاستجابة لأي مبادرة من إدارة بايدن، في وقت تستعد فيه لانتخابات رئاسية في يونيو(حزيران) المقبل، من المرجح أن يمثل الإقبال على التصويت فيها استفتاءً على المؤسسة الدينية، وسط مشاعر سخط متنامية على الصعوبات الاقتصادية.

ولم يترك الاقتصاد الإيراني الهش الذي زادته العقوبات الأمريكية وجائحة فيروس كورونا ضعفاً، للنخبة الحاكمة خيارات تذكر سوى التفاوض، غير أن القرار النهائي، هو قرار الزعيم الأعلى علي خامنئي، إلا أنه لم يتضح حتى الآن إذا كان بإمكان الجانبين العودة إلى طاولة التفاوض.

وهددت إيران يوم الثلاثاء بالمزيد من الخطوات لتقليص التزامها بالاتفاق النووي، بوقف التفتيش المفاجئة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقال خبراء إن "ذلك قد لا يفسد بالضرورة فرص التفاوض لكنه يزيد التحديات".

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي: "رغم كل شيء لا نزال في وضع محفوف بالمخاطر، وستزيد مخاطره في قادم الأيام، المهم إحياء المساعي الدبلوماسية بسرعة".


مواضيع:


الأخبار الأخيرة