موجة انتقادات تلاحق البرامج الرمضانية التونسية وإقبال مكثف على الإنتاجات القديمة

  04 ماي 2021    قرأ 699
موجة انتقادات تلاحق البرامج الرمضانية التونسية وإقبال مكثف على الإنتاجات القديمة

يقبل التونسيون بشدة خلال شهر رمضان على متابعة المسلسلات ومختلف البرامج التلفزيونية الترفيهية، خاصة بعد تناول وجبات الإفطار.
لكن هذا العام ومنذ بداية شهر رمضان، لم تسلم الإنتاجات الرمضانية الجديدة من الانتقادات، بسبب ما اعتبره المشاهدون تحريضا على العنف والجريمة، وإهانة لبعض القطاعات الحساسة على غرار الأساتذة والمعلمين والأمنيين ومساسا بحقوق الحيوانات.

 

وأثار برنامج "السيرك"، (برنامج مقالب) تعرضه إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة، غضب المواطنين والجمعيات المدافعة عن حقوق الحيوان، بسبب إزالة أنياب الأسود التي يستخدمها البرنامج في إثارة هلع الضيوف.

ورغم أن قناة التاسعة التي تعرض برنامج الكاميرا الخفية "السيرك"، نفت صلتها بهذا الأمر وشددت على أنها استأجرت أسودا دون ناب من السيرك الإيطالي، إلا أن الجمعيات الحقوقية أكدت أنها ستقدم على مقاضاة الشركة المنتجة، بسبب تحريضها على العنف ضد الحيوانات لغايات ربحية.

كما نشرت الإدارة العامة للحرس الوطني التونسي، بيانا تؤكد فيه أنها ستحقق في المشاهد التي عرضت في مسلسل "الفوندو"، الذي تبثه قناة الحوار التونسي الخاصة ويحظى بنسب مشاهدة عالية، وصفتها بأنها مسيئة للأجهزة الأمنية.

وتظهر المشاهد المعنية تلقي أحد عناصر الحرس الوطني، رشوة مقابل السماح لأحد المهربين بالمرور دون إلقاء القبض عليه.

إهانة للمربيين وتشجيع على العنف

من جانبها، استنكرت الجمعية الوطنية للتعليم بتونس عرض مسلسل "الفوندو"، لمشاهد تظهر تحرش مدرس بتلميذته، معتبرة أن هذه المشاهد غير الأخلاقية تسهم في ترذيل صورة المدرس.

وقال رئيس الجمعية الدهماني اللجمي لـ "سبوتنيك"، إن "هذه اللقطات تتعارض مع الدور التأهيلي والتربوي للمعلمين والأساتذة والمعاضد لدور الأسرة في تأطير جيل جديد يسهم في بناء المجتمع وتقدمه".

واعتبر اللجمي أن "ظاهرة التحرش هي ظاهرة اجتماعية عامة وليست لصيقة بالمدرسين، وأن ترويج صورة سيئة عنهم سيؤدي إلى هدم العلاقة بين التلميذ والأستاذ وبالتالي تعسير عملية التلقي"، مضيفا "ضرب صورة المؤسسة التربوية سينعكس سلبا على بناء المجتمع".

ولفت اللجمي إلى خطورة المضامين التي تعرضها المسلسلات الرمضانية الحديثة من مشاهد عنف وإجرام ومخدرات واغتصاب، قائلا: "لا أنكر وجود ظواهر سلبية في المجتمع، ولكن طريقة نقلها للمتلقي وخاصة للمراهقين تحتاج إلى معالجة".

وأوضح أن مشاهد العنف والإجرام تترسخ بسهولة في ذهن المراهق على اعتبار أنه ليس مهيئا لتقبلها وفهمها ومعالجتها، مستدلا على ذلك بالدراسات التي أثبتت مساهمة المسلسلات التلفزيونية في انتشار الجريمة.

واستنكر اللجمي التركيز المفرط على مشاهد العنف في البرامج الرمضانية والإخلال بالمبادئ العامة للمجتمع، عوضا عن الترويج لقضايا هادفة وإهمال الجانب الخيّر في الإنسان.

العودة إلى الماضي

في المقابل، لوحظ هذا العام إقبال التونسيين بكثافة على مشاهدة المسلسلات التلفزيونية القديمة، والتي يعود تاريخ ‘نتاجها إلى ما يزيد عن العشر سنوات، مثل مسلسل الخطاب على الباب (عام 1996) ومسلسل جاري يا حمودة (2004) وسلسلة شوفلي حل الكوميدية (عام 2006) التي تصدرت نسب المشاهدة خلال الموسم الحالي.

ويفسر المختص في علم الاجتماع بلعيد أولاد عبد الله في حديثه لـ "سبوتنيك" العودة إلى الإنتاجات القديمة بأبعاد نفسية وأخرى متعلقة بالتنشئة الاجتماعية وبالرغبة في استرجاع الذكريات.

وأوضح عبد الله أن "مضمون هذه المسلسلات ينسجم مع مختلف الشرائح المجتمعية بغض النظر عن مستواها التعليمي أو الثقافي"، مضيفا أن الإنتاجات القديمة نجحت بدرجة كبيرة جدا في استمالة عاطفة المستهلك التونسي على عكس البرامج الجديدة التي تتسم أساسا بطابعها الانتقائي.

وتابع "ما ينقص المسلسلات الجديدة هو القراءة النفسية والاجتماعية للمجتمع التونسي والانسجام مع تركيبته المتنوعة رغم التحولات التي طرأت عليه".

وبيّن "صحيح أن هذه البرامج تعكس ظواهر اجتماعية سلبية انتشرت في تونس، لكن توقيت عرضها غير مناسب وآلياتها لا تتلاءم مع جميع الشرائح العمرية، فضلا عن كونها لا تمثل أطياف المجتمع".

وأوضح خبير علم الاجتماع أن المواطن التونسي يبحث عن البرامج التي ترتكز على الترفيه، ويمكنه مشاهدتها داخل وسط عائلي، خاصة وأن شهر رمضان يعتبر شهر الأسرة.

وقال "تسليط الضوء على الظواهر الاجتماعية السلبية وخاصة منها الجريمة بمختلف أنواعها في البرامج التلفزيونية طريقة معتمدة لتوعية الناس، ولكن أسلوب نقلها إلى المشاهد يحتاج إلى إعادة النظر، خاصة وأن فئة كبيرة من مشاهدي هذه البرامج هم شباب ومراهقون يعيشون في ظل أزمات نفسية واجتماعية عمقها استمرار البطالة".

وبيّن أن الطبيعة النفسية للمراهق تقوم على حب المخاطرة والتجربة، ونقل مشاهد تلفزيونية تتضمن وصفا دقيقا للمخدرات ولطرق استعمالها أو مشاهد عنف حادة ستكون له تداعيات نفسية واجتماعية خطية على بعض أصناف المجتمع، وفقا لقوله.

ويساند عبد الله مبدأ الحرية الفكرية التي حظيت بها تونس بعد الثورة، مع مراعاة الجانب النفسي والاجتماعي للمجتمع في نقل الظواهر السلبية، وعرضها في فضاءات خاصة وليس على التلفاز الذي هو مفتوح للجميع.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة