فماذا بيد السودان ولماذا تأخر استخدام تلك الأدوات حتى الآن، رغم أن الوقت المتبقي على الموعد الإثيوبي للملء أسابيع قليلة؟
يرى السياسي السوداني وخبير القانون الدولي الدكتور عادل عبد الغني، أن هناك وتيرة ضغط وتأكيد تتزايد بشكل ملحوظ على أن السودان سيسعى لإيقاف الملء الثاني للسد والذي يجري دون التوقيع على اتفاق ملزم لكل الأطراف.
أوراق غير معلنة
وفي حديثه لـ"سبوتنيك"، قال عبد الغني إن تصريحات الخارجية السودانية مؤخرا حول الموضوع تؤكد أن وزيرة الخارجية السودانية لا يزال في جعبتها العديد من السهام التي لم تلقي بها بعد، ويستطيع القارىء للوضع السياسي العام، والوضع القانوني لتلك الأزمة التاريخية، أن يتوصل إلى عدة مؤشرات تدل على أي الاتجاهات تسير تلك السهام التي قد تلقي بها وزارة الخارجية أو حكومة السودان.
وتابع عبد الغني، أو تلك المؤشرات يتمثل في الضغط على المحيط الأفريقي ودول الجوار، وقد رأينا تحركات مكثفة قامت بها وزيرة الخارجية، حيث التقت الوزيرة بعدد من وزراء الخارجية ورؤساء الدول، وهذا يدل على أن مسألة الاحتواء السياسي والدبلوماسي وحدها هى التي تستخدمها الخارجية السودانية للتعامل مع أزمة سد النهضة.
السلم والأمن الدوليين
وأشار خبير القانون الدولي، إن الخرطوم تستخدم سيناريو الضغط على المستوى الدولي ونجد أن هناك حركة نشطة بين أوروبا وأمريكا ومصر والسودان وأديس أبابا، حيث تتفهم واشنطن والاتحاد الأوروبي الموقف المصري والسوداني، وأن الملء الثاني دون اتفاق، يشكل خطورة على الأمن المائي للدولتين، وبالتالي سوف يكون هذا التوتر مهددا للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن مصلحة تلك الدول الكبرى أن تضمن الهدوء في تلك المنطقة.
وأوضح عبد الغني، أن التحرك السوداني الأخير كان نحو الدول التي قامت بتمويل السد، لحثها على إثناء إثيوبيا على عدم الملء دون اتفاق ملزم، وكأن الخرطوم تريد أن توصل رسالة لتلك الدول التي تمول السد بأنهم أصحاب حق، كما يسعى السودان من أجل أن يقوم الاتحاد الأفريقي بدور ضاغط، على الرغم من التقييمات السابقة للاتحاد الأفريقي، حيث تراه الخرطوم لا يميل إلى الضغط الواضح على إثيوبيا لاتخاذ الإجراءات اللازمة للوصول إلى اتفاق ملزم.
الرأي العام العربي
ولفت عبد الغني، إلى أنه بإمكان السودان أيضا أن يجمع الرأي العربي داخل جامعة الدول العربية التي لا تعد إثيوبيا عضوا فيها، حيث تشكل الجامعة عامل ضغط خارجي، وتستطيع أن تسمع صوت السودان في المحافل الدولية بطريقة مساعدة لتحركات وزارة الخارجية، ما يؤدي إلى نتائج أفضل.
وأكمل الخبير القانوني، السودان يستطيع أيضا أن يحمل أوراقه إلى مجلس الأمن، وهو المختص بأي مسألة قد تهدد الأمن والسلم الدوليين والأمن والسلم في تلك المنطقة، وله الحق في اتخاذ ما يراه من قرارات لإلزام إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق ملزم يضم كل الأطراف، وستظل كل الخيارات السودانية مفتوحة من أجل عدم الدخول إلى مرحلة الملء الثاني.
غير واضح
أما الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني الفريق دكتور جلال تاور فيرى، أن التصريح الأخير لوزيرة الخارجية السودانية غير واضح المعالم، لأن كل الأطروحات من أجل الحل قد تم وضعها على الطاولة ولم تلق قبولا من الجانب الإثيوبي.
وأضاف لـ"سبوتنيك"، الكثير من الأمور طرحتها السودان من أجل التوصل إلى حلول مع إثيوبيا بشأن الملء الثاني وباقي البنود المختلف عليها، لكن كل ذلك كان يقابل بتصريحات إعلامية إثيوبية إما للمراوغة وكسب الوقت أو للرد على التصريحات السودانية والمصرية، واعتقد أن تصريحات الخارجية بها نوع من المناوشات.
وتابع تاور، إن الولايات المتحدة لها تأثير مباشر على ملفات وأزمات المنطقة ومن بينها سد النهضة، حيث سبق ووافقت إثيوبيا على الاتفاق الأمريكي في فبراير/شباط من العام 2019 ، لكنها تنصلت من عملية التوقيع في اللحظات الأخيرة، ومع هذا أمريكا يمكنها الضغط على إثيوبيا لإلغاء هذا التعنت والقبول بالاتفاق الملزم ومنع الملء الثاني قبل التوصل اتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة.
بيان حكومي
أكدت الحكومة السودانية أنها قادرة علي إرغام إثيوبيا على عدم المضي قدما في الملء الثاني لخزان سد النهضة من دون اتفاق.
وقالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي في مقابلة مع مراسل بي بي سي في الخرطوم إن الخلافات بشأن السد يمكن حلها خلال ساعات إذا توفرت الإرادة السياسية.
وأضافت الوزيرة أن موقف بلادها ثابت بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وشامل، متهمة إثيوبيا بأنها لا ترغب في ذلك وإنما تسعى لفرض الهيمنة وتركيع الدول الأخرى.
كما أكدت وزيرة الخارجية السودانية أن هنالك تنسيقا بين السودان ومصر على أعلى المستويات بشأن سد النهضة. وقالت إن التنسيق يتم بصورة مستمرة وكبيرة لمنع إثيوبيا من ملء خزان السد من دون اتفاق.
واستبعدت الوزيرة اللجوء إلى الخيار العسكري إذا استنفدت كل الخيارات المتاحة، موضحة أن السودان سيواصل ما وصفته بالتصعيد السياسي والقانوني عبر اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والتحكيم الدولي.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد قال مؤخرا إن الملء الثاني لسدّ النهضة، والمعلن في يوليو/تموز المقبل، سيعود بفائدة على السودان، من خلال تقليص حجم الفيضانات.
الري المصرية
وفي المقابل، قال وزير الموارد المائية المصري محمد عبد العاطي مؤخرا إن القاهرة اقترحت "15 سيناريو مختلفا لملء وتشغيل سد النهضة" على مدار الأعوام الماضية على نحو يحقق المتطلبات الإثيوبية وبدون إحداث ضرر ملموس على دولتي المصب، إلا أن الجانب الإثيوبي "رفض جميع هذه المقترحات".
وحمّل الوزير المصري، أمام لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ، ما وصفه بـ "التعنت الإثيوبي" والإجراءات أحادية الجانب التي تقوم بها أديس أبابا، مسؤولية عدم إنجاز اتفاق حول سد النهضة حتى الآن.
وأشار عبد العاطي إلى أن "حجم مياه الأمطار في إثيوبيا يزيد عن 935 مليار متر مكعب سنويا، وأن 94 في المئة من أراضي إثيوبيا خضراء، في حين لا تتجاوز نسبة الأراضي الخضراء في مصر ستة في المئة فقط".
وبدأت إثيوبيا تشييد سد النهضة على النيل الأزرق عام 2011، وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا، تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
وعلى الرغم من توقيع إعلان للمبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، حول قضية سد النهضة في آذار/ مارس 2015، والذي اعتمد الحوار والتفاوض سبيلا للتوصل لاتفاق بين الدول الثلاث حول قضية مياه النيل وسد النهضة، إلا أن المفاوضات، والتي رعت واشنطن مرحلة منها، لم تسفر عن اتفاق منذ ذلك الحين.
مواضيع: