فبحسب مصادر وزارية متابعة، سمع الحريري بوضوح من الأميركيين أن ملفّ الصّراع البحري والبري الحدودي بين لبنان و "إسرائيل"، سيكون في عهدة مستشار الرئيس الأميركي وصهره رجل الأعمال جاريد كوشنير. وليس من قبيل الصّدفة أن يُسلِّم ترامب والإدارة الأميركية ملفّاً بهذه الأهميّة لصهر الرّئيس، وهو عرّاب «صفقة القرن»، أو صفقة إنهاء القضيّة الفلسطينية واستبدال القدس بـ«أبو ديس» وإغلاق ملفّ اللاجئين، تمهيداً لتوقيع اتفاقيات سلام عربية ــــ إسرائيلية، تبدأ من السعودية ولا تنتهي في الخليج ( الفارسي ).
وبحسب المعلومات، فإن الأميركيين طرحوا مع الحريري منذ ذلك الوقت، مسألة ما يسمّى بـ«النقاط المتنازع عليها» بين لبنان وكيان الاحتلال، في البرّ والبحر، واستعداد الولايات المتّحدة للدخول كوسيط لحلّ الأمور العالقة، و«مساعدة لبنان لاستخراج النفط».
عاد الحريري إلى بيروت ونقل ما سمعه للمعنيين، مع الإضافة أن «العلاقة مع كوشنير إيجابيّة وهناك وعود جديّة بمساعدة لبنان»، وهي علاقة تطوّرت بالفعل بين الرجلين، بجهود وسطاء لبنانيين في واشنطن. وبلا شكّ، ساهم احتجاز الحريري في السعوديّة في تقرّبه أكثر من الأميركيين، وشعوره بالغطاء الذي تؤمّنه له الإدارة الأميركية بوصفه «شريكاً مهمّاً للاستقرار في لبنان».
إلّا أن الحديث عن «وساطة أميركية» لم يلقَ صدىً في بيروت، طالما أن الأطراف اللبنانية المعنيّة لا ترى في الأميركيين وسيطاً «نزيهاً» بناءً على تجربة عمرها عقود طويلة، «حيث لم تصبّ الوساطات الأميركية إلّا في مصلحة إسرائيل، وعلى حساب الدول العربية الحليفة لأميركا». غير أن اللافت أن الأميركيين لا يعيرون اهتماماً كبيراً للنقاط «المتنازع عليها» في البرّ، بقدر ما يهتمون بمشكلة تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وبالحدود البحرية التي ترسم حقول النفط والغاز.
هذا المنطق تحدّث به ساترفيلد خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين خلال اليومين الماضيين، لا سيّما لجهة تأكيده «ضرورة عدم القلق من النقاط البريّة والاهتمام بالنزاع البحري»، مشدداً على أن بلاده أبلغت "إسرائيل" رسمياً بضرورة عدم بناء «الجدار الحدودي» في النقاط المتنازع عليها مع لبنان.
وعدا عن «شبه التهديدات» التي حملها ساترفيلد إلى اللبنانيين من إمكانية قيام "إسرائيل" بعمليات قصفٍ مفاجئة لمواقع لبنانية، انصبّ اهتمام الزائر الأميركي على تسويق دور الولايات المتّحدة في وساطة بين لبنان و"إسرائيل" لحلّ النزاع البحري. وبحسب المعلومات أيضاً، فإن كيان العدوّ، تراجع حتى عمّا يسمّى «خط هوف»، وهو الخطّ الذي عمل عليه السفير فريدريك هوف لترسيم الحدود البحرية اللبنانية ــــ الفلسطينية. و«خطّ هوف» يعيد للبنان حوالي 550 كلم مربعاً من مساحة 860 كلم مربعاً فصلها الاختلاف في النّقاط بين لبنان والكيان الإسرائيلي، بين ما يسمّى بالنقطة 23 اللبنانية والنقطة 1 «الإسرائيلية». التراجع الإسرائيلي عن «خط هوف» يعني أن الأميركيين سيعرضون على لبنان تحديد الخط نفسه كسقف تفاوضي، وخاصة أن ساترفيلد تحدّث أمام مسؤولين لبنانيين عن «خط هوف» بصفته «حلاً منصفاً». وسيؤدي قبول الجانب اللبناني بـ«العرض الأميركي»، وقَبْل بدء أي مفاوضات، إلى خسارة نحو نصف المنطقة البحرية التي يزعم العدو ملكيته لها، والتفاوض على ما تبقى من حق لبناني، بذريعة «الإسراع في إزالة العقبات التي تحول دون استفادتنا من ثروة النفط والغاز».
ومع أن ساترفيلد حاول طمأنة اللبنانيين إلى أن دور الولايات المتّحدة لن يكون على حساب لبنان، إلّا أن الانطباعات التي تركها تؤكّد أنه يريد الضغط على لبنان للتخلّي عن هذه المساحة البحرية التي يتمسّك بها اللبنانيون.
وفيما سجّل المسؤولون اللبنانيون موقفاً واضحاً لناحية التمسّك بكل شبر من مساحة لبنان، البريّة والبحرية، إلّا أن هناك تمايزاً في الآراء إزاء الوساطة الأميركية، بين من يؤكّد على ضرورة التمسّك بعمل اللجنة الثلاثية التي ترعاها الأمم المتّحدة بين الجيش اللبناني وجيش العدوّ وحصر النقاشات ضمن اللجنة، وبين من يسوّق لضرورة القبول بالوساطة الأميركية والتعامل معها، على أساس أن الدور الأميركي سيكون ضمانة للحقوق اللبنانية، بناءً على وعود كوشنير للحريري.
من جهتها، قالت مصادر وزارية إن «كوشنير حُيّد عن الكثير من الملفات داخل الإدارة الأميركية الآن، لكن ما المشكلة في وساطة أميركية؟ إذا قدّموا لنا عرضا غير مقنع لا نقبله، بكلّ بساطة».
وقام ساترفيلد مساء أمس بزيارة رئيس الجهمورية ميشال عون في قصر بعبدا، بعد أن جال صباحاً على الحدود الجنوبيّة مع المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم وقائد قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب مايكل بيري، وعقدوا اجتماعاً في مقرّ القوات الدولية في الناقورة. وزار ساترفيلد في حضور السفيرة اليزابيت ريتشارد قائد الجيش العماد جوزف عون الذي شدّد على «الموقف اللبناني الرافض لمحاولة هذا العدو إنشاء جدار فاصل يمر في أراضٍ متحفظ عليها لبنانياً». كما زار ساترفيلد وريتشارد ضريح الرئيس رفيق الحريري في وسط بيروت.
مواضيع: