قراءة نقدية تشخص تجربة الشعر السلوكي لأبي مسلم البهلاني

  13 فبراير 2018    قرأ 1244
قراءة نقدية تشخص تجربة الشعر السلوكي لأبي مسلم البهلاني
تبقى التجربة الشعرية للشاعر أبي مسلم البهلاني واحدة من التجارب الشعرية العمانية اللافتة حيث توجه إليها الكثير من النقاد والباحثين من داخل عمان وخارجها، كما حظي نتاجه الشعري بعناية عدد غير قليل من المحققين والباحثين. تنطوي تجربة البهلاني الشعرية على جوانب فنية بارزة قدَّم فيها البهلاني تجربة روحية تفوقت على الشعراء العمانيين السابقين له. وشكَّلَ تعالق التجربة الصوفية مع التجربة الشعرية مزيجا فنيًا بارزا في الكثير من النتاج الشعري للبهلاني، وهذا ما أغرى الكثير من الباحثين على خوض البحث عميقا في دراسة هذا التعالق. وتقدم الباحثة الدكتورة شيخة بنت عبدالله المنذرية في دراستها المعنونة بـ “شعر أبي مسلم البهلاني الرواحي بين التصوف والسلوك” قراءة معمقة في قراءة التجربة الشعرية عند البهلاني

 إذ استخدمت الباحثة المنهج التكاملي في دراستها هذه معتمدة على تحليل الأبعاد النفسية، كما وظفت المقارنة والموازنة بين المناهج التحليلية من السميائية والتداولية والبنيوية، وقد حاولت الباحثة الالتزام بالموضوعية في التحليل والمناقشة.واشتمل كتاب شعر أبي مسلم البهلاني الرواحي بين التصوف والسلوك على تقديم للأستاذ الدكتور عبدالمجيد بنجلالي ومقدمة المؤلفة وثلاثة فصول وخاتمة. فهذا الكتاب يُعد ثالث كتاب أكاديمي صدر في عمان عن شعر السلوك بعد كتاب” الشعر السلوكي: دراسة في شعر الرواد” للدكتور محمود بن مبارك السليمي الذي صدر في 2008م، وكتاب ” الشعر السلوكي العماني: أعلامه، موضوعاته، خصائصه” للدكتور عادل بن راشد المطاعني في 2008م أيضا.ففي هذين الكتابين نجدهما يتحدثان عن شعر السلوك بشكل يدرج كوكبة من الشعراء في عصور مختلفة، أو حقبة معينة، إلا أنَّ الباحثة المنذرية نجدها تحصر موضوعها في شاعر واحد لتعميق الموضوع وترسيخ المنهج السلوكي والصوفي في عمان. وعن ما تميز به الكتاب نجد أن الدكتور عبدالمجيد بنجلالي يشير إلى أربع نقاط في ذلك وهي؛ أن الباحثة المنذرية نصت في مقدمة كتابها على أنها بنت دراستها على رؤية مغايرة بمعنى أنها كانت على وعي تام بالدراسات المنجزة ومنهجها وشكلها وموضوعها.. كما يلحظ القارئ قدرة الباحثة على التفريق بين حدود السلوك وحدود التصوف لدى الشاعر موضوع الدراسة فالوقوف على هذين الحدين ليس بالأمر الهين لما بين الحدين من المؤتلف والمختلف وكذلك افتراق التنظير عن التطبيق. كما تمكنت الباحثة من التحليل النصي لهذا النمط من الشعر الذي لا يمكن الإمساك بشطحات شعرائه. والميزة الرابعة لهذا الكتاب هي قدرة الباحثة على الغوص في بحر لجي من المناهج المعاصرة النقدية منها واللسانية دون إغفال جهود القدامى في التحليل النصي، حيث درست الباحثة المستويات النفسية والإيقاعية والبلاغية والتركيبية مما أتاح للباحثة استغلال أقصى ما يمكن استغلاله في كل مستوى على حدة بهدف الوصول بالصورة الشعرية إلى المقام المنشود. وحمل الفصل الأول عنوان “بين التصوف والسلوك وقفة مصطلحية” حيث درست الباحثة شيخة المنذرية ماهية التصوف والأسس التي تقوم عليها التجربة الشعرية الصوفية بجانبها العملي والروحي إذ أن هذه التجربة ترتسم على عدة مستويات، وقد ارتسمت هذه المستويات من خلال التدرج في ماهية علاقة الصوفي بالذات الإلهية.

واشتغل هذا الفصل كذلك بتحليل الجوانب العملية والمعرفية والروحية في التجربة السلوكية ثم تم التركيز على جملة من المؤثرات التي أسهمت في شيوع تيار السلوك كالمؤثرات النفسية والاجتماعية والسياسية والعقدية والفكرية. وخلصت الباحثة في هذا الفصل إلى الملامح العامة للتجربة الشعرية السلوكية في جانبيها الروحي والعملي. ونجد في نهاية الفصل إيضاحا مستفيضا لصور اللقاء والافتراق بين التجربتين الشعريتين السلوكية والصوفية، وكذلك التركيز على مجموعة من العناصر التي استفادها الشعر السلوكي من الشعر الصوفي. ويلاحظ المطلع على تجربة أبي مسلم البهلاني الشعرية غزارة شعره السلوكي حيث يجد الباحث المجال الواسع لينقب ويبحث في ذلك الشعر علاوة على قصائده السلوكية التي اشتملها ديوانه فإن له ديوانا سلوكيا مستقلا هو “النفس الرحماني في أذكار أبي مسلم البهلاني” لذلك اتجه الفصل الثاني من الكتاب إلى تحليل الخطاب الشعري في الشعر السلوكي للبهلاني، فقد تمت دراسة الموضوعات التي تضمنها الشعر السلوكي للبهلاني ثم بعد ذلك انتقل البحث إلى تفحص البنية اللغوية بالتركيز على أهم الظواهر التي تضمنتها تلك اللغة الشعرية كظاهرة التكرار بمستوياتها والرموز الشعرية المستخدمة وكيفية توظيفها حمولاتها الدلالية. كما أن اللغة الشعرية للبهلاني شكلت تداخلاً نصيًا مع القرآن الكريم والحديث الشريف، وكشف هذا الفصل تقاطع تجربة البهلاني الشعرية وإن بصور متباينة مع بعض معطيات الفكر والشعر الصوفيين والفكر السلوكي الإباضي، كما أن التداخل أسهم في ربط التجربة الشعرية بمصادرعدة وعلى مستويات متفاوتة.
ويتطرق الفصل الثالث إلى تحليل الصورة الشعرية في التجربة الشعرية البهلانية، حيث يركز هذا الفصل على تحليل بنية الصورة الشعرية في التجربة الشعرية السلوكية البهلانية والصورة الشعرية هي الجزء المكمل للبنية الشعرية إلى جانب هيكلة اللغة، ولقد تضمنت الصور الشعرية عددا من الأبعاد النفسية والإيقاعية والبلاغية والتركيبية. فقد كشف هذا الفصل عن التآزر في الصور البلاغية في رسم الصورة الكلية للتجربة الشعرية عند أبي مسلم مع روحية وماهية التوجه السلوكي. كما وقفت الباحثة عند مدى تأثر البهلاني في صوره الشعرية بالشعر الصوفي، حيث أن هذا التأثر لم يتوقف عند المستوى البلاغي بل امتد إلى حدود المستوى التركيبي بمختلف مستوياته.
جدير بالذكر أن هذا الكتاب قد صدر في العام 2013م ضمن منشورات وزارة التراث والثقافة، كما أن الوزارة قد احتفت بالبهلاني في مهرجان الشعر العماني السابع عام 2010م.


مواضيع: قراءةنقدية  


الأخبار الأخيرة