العناصر الأربعة المؤثرة في حياتنا

  28 فبراير 2018    قرأ 11057
العناصر الأربعة المؤثرة في حياتنا

هناك مصدر أو طاقة إلهية بدئية والتي هي مصدر كل شيء مرئي وغير مرئي في هذا الكون. عندما تبدأ هذه الطاقة الخلاَّقة بأخذ طابع ما، يظهر قطبان تعبيريان واللذان يعطيان كل الثنائيات الموجودة في العالم. يطلق على هذين القطبين أو الثنائية أسماء مختلفة فقد نسميهما:

من الاثنين ينشأ الثلاثة، والثلاثة معًا تمثل الواحد. إن جوهر الأب أو الروح أو اليانغ يتظاهر بالإيجابية والذكورة والسيطرة والحركة النابذة والمنطق ويعبر عن رغبة التكوين وبالتالي النمو؛ بينما يتظاهر جوهر الأم أو المادة أو الين بالسلبية والأنوثة والاستقبال والحركة الجاذبة والإرهاف في الإحساس والرعاية، وتعبر عن حكمة التركيز وجلب الأضداد معًا من أجل رعاية بذور الخالق من أجل ولادة جديدة واستمرار الحياة. يحصل اتحادهما من خلال قوة الانجذاب أو المحبة وينجم الابن أو النفس، والمحبة توحِّد وتؤدي إلى زوال العزلة. إن طاقة الإرادة طاقة كهربائية إيجابية أو سلبية، أما المحبة فهي طاقة مغناطيسية تجذب الأب نحو الأم، أو الذكورة نحو الأنوثة، أو اليانغ نحو الين وبالعكس؛ ومن اجتماع المحبة مع الإرادة تتولد طاقة كهرطيسية.

من خلال هذه التعابير الإنسانية، نقول إن الأب يعطي بذور تولُّد الطفل وتكوُّنه، وتقدم الأم الخواص الاستقبالية للرحم كي ينمو الطفل، وبواسطة حكمتها تستخدم المواد المعطاة من الأب للحصول على أفضل شروط نموِّ الطفل، وكلاهما يشارك بنفس الأهمية لتكوين الطفل (أو النفس) والتي تعبر عن قوة محبتهما.

يتكون كل شيء حيٍّ من التداخل بين المادة والروح، ولذلك كان لكل شيء حيٍّ نفس بدءًا من الذرة وحتى المجرة، وفي كثير من الحالات، قد تكون النفس جمعيَّة أي أنَّ نفسًا واحدة تخص مجموعة من العناصر، كما هي حال معظم عناصر الطبيعة باستثناء الإنسان، حيث يوجد نفس واحدة مميزة لكل إنسان، وهذا ما يعطيه الوعي المتميز والتنوع الهائل والذي يعتبر من أبسط أمثلته بصمات الأصابع والعينين.

 

تحوي كل من الروح والمادة مستوى فطريًا من العبقرية والذكاء من خلال انبعاثها من القدرة الإلهية الأصلية، وباتحادهما، يتكون العنصر الثالث وهو النفس كمستوى من الوعي والإدراك الحاصلين من التقاء هذين العنصرين؛ وتبعًا لدرجة اللقاء والاتحاد الحاصلين بينهما، تكون درجة الوعي أو ما يسمى Shen في الطب الصيني، فدرجة وعي خلية تختلف عن درجة وعي نبات أو حيوان أو إنسان، كما أنها تختلف من إنسان لآخر. إن هدف الحياة في النهاية هو زيادة درجة الوعي عن طريق زيادة تداخل المادة بالروح حتى لا يكون هناك في النهاية أي افتراق بين هذين القطبين، وبذلك يكون وعي وإدراك النفس متطابقًا مع الوعي الكلي الأصلي. إذا يمكننا القول إن مسيرة الإنسان تقتضي أن يصبح مدركًا أو واعيًا لنفسه، وبالأحرى، أن يعرف نفسه؛ وهذا طبعًا لا يحصل بين ليلة وضحاها، بل هو مسيرة تطورية يصبح فيها الإنسان قادرًا على رؤية نفسه مستقلاً عن جسده ومشاعره وأفكاره أو ما نسميه بشخصيته.

إن تواجد قطبين للوجود: الروح والمادة ومن ثم اتحادهما وتشكل الابن أو النفس هو أساس كل التظاهرات الحياتية. أن نختبر ونقبل القطبين الحياتيين يجلب لنا الوعي الكامن بعدم وجود افتراق وانفصال، لأنهما في النهاية ليسا بقوتين متعارضتين، بل هما قطبان لنفس المبدأ، مثل الطاقة الكهربائية أو المغناطيسية، فالتيار نفسه يمر بين القطبين. إنهما تظاهران للمبدأ الواحد نفسه وللطاقة الإلهية الخلاقة الكبرى. إن الخط الفاصل بينهما غير المستقيم يوضح أن المظهرين دائما الامتزاج. تقول الفلسفة الصينية إنه من المستحيل البقاء في مظهر واحد دون الآخر – قانون التوازن والاستواء - عندما يصل أحد المظهرين لحده الأقصى، يبدأ المظهر الآخر بالظهور لإعادة التوازن. كثيرًا ما تكون الأمراض محاولة لإعادة التوازن المطلوب؛ فالمرض ليس بعقاب أو علامة ضعف، بل مسرى طبيعي لإعادة التوازن.

يوصف الين إذًا على أنه بارد، هادئ، سلبي، معتم، متجاوب، متناقص ونحو الداخل، أما اليانغ فحارٌّ، متحرك، فعَّال، براق، محرِّض، متزايد ونحو الخارج. يجب ألا ننسى أن هذه الثنائية تعود للانقسام من جديد إلى ثنائية، أي جزء أكثر ذكورة وجزء أكثر أنثوية ويبقى التداخل والتحول بينهما دائمًا موجود، وهذا ما يعطي التنوع الهائل والرائع في الطبيعة، فجذر النبات هو أكثر أقسام النبات قساوة ودعامة وثباتًا فهو أكثرها ذكورة أو يانغ، لكن بالوقت نفسه، فهو معتم ونحو الداخل فهو ين. كلما ارتفعنا في الساق ثم الأغصان ثم التفرعات الأدق ثم الأوراق والأزهار والثمار وأخيرًا البذور، نكون بشكل نسبي نقترب أكثر من طبيعة الين المؤنثة ونبتعد عن طبيعة اليانغ المذكرة، لأن البذور تختزن كل العناصر الأساسية لإنشاء النبات من جديد، فهي تدخل في مرحلة كمون لتعطي بعدها نباتًا يفوقها بأضعاف من حيث الحجم، وعندها تدخل في مرحلة التوسع أو اليانغ، لكن بنفس الوقت، فالبذرة سهلة التدحرج والحركة والنمو نحو الخارج، فلها صفات اليانغ. كل شيء في الطبيعة يجمع بين اليانغ والين بنسب مختلفة. قطعة الطبشور مثلاً، عادة جافة وقاسية فهي يانغ، لكنها باردة فهي ين، لها سطح خارجي هو اليانغ وداخلي هو الين، تتناقص حجمًا مع الوقت والاستعمال فهي ين. الشمس أكبر وأكثر سخونة ونورًا من الأرض فهي يانغ بالنسبة للأرض والأرض ين بالنسبة للشمس، ولكن الأرض يانغ بالنسبة للقمر. عندما تنتهي التفاعلات الكيماوية للشمس، ستتحول إلى ين. عندما تسطع الشمس على جهة من الجبل، يكون يانغ بالنسبة للجانب الآخر، ولكن بعد الظهر، سيأتي نور الشمس على الجهة الأخرى وتصبح تلك هي اليانغ بعد أن كانت صباحًا هي الين. عندما يأتي الليل، يصبح كل الجبل معتمًا ومظلمًا وباردًا وهادئًا فيصبح ين بالنسبة للقمر الذي أصبح هاهنا يانغ ضمن ظلام الليل الذي أصبح ين.

العناصر والطبائع الخمسة أو الأربعة

كما أن الطبيعة الأساسية غير المنقسمة للتاو قد عبَّرت عن نفسها من خلال الين واليانغ، كذلك تتولد الطبائع الخمسة من المراحل المختلفة لنشوء الين واليانغ. يولِّد اليانغ في تصاعده طبيعة الريح أو الهواء وعنصر الخشب، وعند بلوغه الذروة يولِّد طبيعة النار وعنصر الحرارة. يكون الأول مرتبطًا بفصل الربيع والثاني بالصيف. عندما يصل اليانغ لذروته، يبدأ بالتحول إلى ين، فعند مرحلة الانقلاب هذه تتولد طبيعة الرطوبة وعنصر الأرض كما في نهاية الصيف. عند تصاعد الين، تتولد طبيعة الجفاف وعنصر المعدن وفصل الخريف، ثم يصل الين لذروته، فتتولد طبيعة البرودة وعنصر الماء وفصل الشتاء.

تتكرر هذه السلسلة من جديد في دوران مستمر يمكن تشبيهه بمراحل الحياة، فالطفولة مرحلة نمو مضطرد جسدي ونفسي سريع وفي كل الاتجاهات كما هي طبيعة الريح وكما ينمو النبات في فصل الربيع، وتكون فترة المراهقة قمة الاندفاع العاطفي كما هي طبيعة النار وفصل الصيف بكل تنوع نباتاته وألوانها الزاهية. تكون فترة النضوج مثل عنصر الأرض وطبيعة الرطوبة ونهاية الصيف فترة انتقال من نمو لتراجع ومن هيجان لهدوء ومن حرارة لبرودة، ثم تأتي مرحلة الكهولة مثل طبيعة الجفاف وفصل الخريف وعنصر المعدن روتينية محددة السير منتظمة، ومن ثم الشيخوخة ساكنة هادئة باردة مثل طبيعة البرودة وعنصر الماء وفصل الشتاء.

تدخل الأعضاء في حلقة داعمة Supporting cycle على شكل دارة متصلة، فالخشب يدعم النار والنار تدعم الأرض والأرض تدعم المعدن والمعدن يدعم الماء والماء يدعم الخشب، فتسمح هذه الحلقة لكل عنصر أن يتحول إلى العنصر التالي وبالتالي لا يفيض عنصر عن الحد المقبول أو ينقص عن الحد المتوازن، ولكي يتم التوازن بشكل أفضل أيضًا يوجد ما يسمى بالحلقة المحدِّدة Restraining Cycle، أي أن الخشب يحدِّد الأرض ويمنعها من تجاوز حدِّها والأرض تحدِّد الماء... الخ. ينشأ من هاتين الدارتين أو الحلقتين توازن مبدع، بحيث أن اختلال أي عنصر على شكل زيادة أو نقصان، سيؤدي إلى سلسلة من التفاعلات التي تؤدي في النهاية إلى إعادة التوازن.

هذا بالنسبة للفلسفة والطب الصينيين، أما في الشرق الأوسط واليونان ولاحقًا أوروبا فقد ركزوا على أربعة عناصر أساسية (وسنرى أنه لا يوجد اختلاف كبير في الفكرة، بل يختلف الوصف الخارجي واللفظ المستخدم فقط) هي الهواء والنار والماء والتراب. بالنسبة للصينيين استبدلوا كلمة تراب بالمعدن وهي عمليًا لها نفس الصفات الحركية والنفسية من تأسيس وصلابة وإعطاء تركيب وهيكل مادي للأشياء ومسؤولية وحسم وقرار، وهناك العنصر الخامس الأرض الذي أعطيت له بشكل منفصل صفات التوازن والانسجام والربط بين العناصر الأربعة، أما في الشرق الأوسط فأبقيت هذه الصفات أيضًا للتراب ولم توضع بشكل مستقل. في الهند أضيف عنصر خامس هو الفراغ الذي يتجاوز العناصر الأربعة لينطلق باتجاه الأثير والعوالم السماوية.

نظرة عامة للعناصر الأربعة: لقد اعتبرت المياه عنصرًا أساسيًا في خلق الكون في الكتب المقدسة وأظهر لها ارتباط وثيق مع روح الله التي كانت تعلوها، لماذا؟ لأن الماء تمثل المادة الكونية، الين التي تحتاج لليانغ، للنار الإلهية من أجل إعطائها صفات الحياة والوفرة والثمر وغيره... التراب والماء عناصر ين، ولكن الماء بحكم كونه أكثر استقبالاً ومرونة يعبر عن هذا الجانب الأنثوي من الطبيعة بشكل أكبر، كذلك الهواء والنار عناصر يانغ، لكن النار بارتفاعها العمودي والدفء والطاقة الكبيرة التي تحملها، تعبر عن الجانب الذكري من الطبيعة بشكل أكبر.

تعبر العناصر الأربعة عن حالة الأشياء أيضًا، فالمادة الصلبة هي الأرض والسائلة هي الماء والغازية الهواء والتفاعلات الكيماوية للتحول من حال إلى آخر هي نتيجة فعل النار. إن اشتعال الشمعة بحد ذاتها يعطي معنى العناصر الأربعة، فمادة الشمع نفسها تعبر عن الأرض، وهي لا تشتعل بدون هواء وأوكسجين، وهذا عنصر الهواء، وعندما تشتعل تعطي عنصر النار، وشيئًا فشيئًا ينصهر الشمع ويشكل بحيرة صغيرة حول الشمعة، وهذا هو عنصر الماء.

لقد بدأت الحياة على الأرض من خلال فعل النار بالماء، فالحرارة والطاقة التي أعطتها الشمس للمحيطات سمحت بظهور أول الكائنات الحية، وإن فعالية النار والماء يرمز لها من خلال التصالب، فالخط الأفقي يمثل المفهوم الأنثوي أو الماء، الذي يتمدد دائمًا أفقيًا ويبحث عن الشقوق في الأرض ليدخل ضمنها ويختفي، والخط العمودي للتصالب يمثل المفهوم الذكري، النار والتي لها الدافع للتمركز والصعود للأعلى ولكن هل ينتهي الموضوع هاهنا؟ كما رأينا أن في ذروة الين يبدأ اليانغ، وفي ذروة اليانغ يبدأ الين، كذلك ألا نرى أشياء مشتركة بين الماء والنار، ألا يشبه شلال الماء المندفع من الجبال حركة النار بشكل عكسي؟ ألا تشبه حركة النار حركة شلال متجه للنبع؟

في الحقيقة النار والماء ليسا بالأعداء، بل يوجد محبة شديدة بينهما كالمحبة الكائنة بين اليانغ والين أو بين قطبي المغناطيس، بشرط أن تبقى بعض المسافة بينهما، ويحافظ على هذه المسافة كل من الهواء والأرض أو التراب، ولذلك ظهرت أهمية وجود عنصرين آخرين هما الهواء الذي يعتبر ذكري أو يانغ ولكن أقل ذكورة ويانغية من النار، والتراب الذي يعتبر أقل أنوثة وينية من الماء، فهما يعطيا تدرجات انسيابية بين القطبين الحادين للنار والماء، مثل التدرجات الانسيابية في ألوان الطيف بين الأحمر الصارخ اليانغي والأزرق الهادئ اليني، أو بين صوت الباص اليانغي والسوبرانو اليني. يوجد صداقة بين النار والماء، فالنار تعطي للماء عن بعد قوة البخار، والماء يساعد باشتعال النار إذا كان قليلاً.

-       النار:

تعبر النار عن واحد من أهم أسرار الطبيعة وهو الاحتراق والتحول، لأن الكون ما كان ليكون بدون عملية احتراق المادة وتحولها إلى طاقة، ونفس الشيء ينطبق على جسد الإنسان وعقله وتنفسه وإحساسه وتفكيره، فكلها لا يمكن أن تحدث دون تواجد عملية احتراق وتحول.

لننظر إلى الخشب الميت الأسود المحطم وكيف يتحول بالنار إلى واحدة من أجمل تظاهرات الطبيعة من خلال النور والحرارة والطاقة، وهذا ينطبق رمزيًا على ما في داخلنا من أهواء أنانية كالغيرة والغضب والعنف والاحتقار واللامبالاة أو بالعكس الإحساس المفرط والمبالغ به. ما علينا سوى إحراق هذه الأهواء وتحويلها من خلال ما يسمى بالمحبة والتضحية والحكمة. إن تقدير قدماء الفرس والهند وغيرهم للنار ما هي إلا رمز لهذه القوة التحويلية. إن انتشار استعمال البخور في معظم الحضارات ما هي إلا تعبير عن هذه الطاقة التحويلية، بالإضافة طبعًا إلى التأثير الشمي العاطفي للروائح المختلفة (وكلنا يعلم مدى قرب المناطق الدماغية المسؤولة عن الشم من المناطق المذكورة عن الانفعالات والمشاعر والمناطق المسؤولة عن الذاكرة). لقد استعمل الهنود والصينيون والمدارس الصوفية المختلفة رمز النار الداخلية وطاقة الكونداليني للتعبير عن التحول الروحي الذي يحصل عند ممارسة هذه الطقوس المختلفة. حتى النار، بحد ذاتها، تمثل لنا صورة رائعة عن الحياة، فما يرتفع للأعلى يشع، وما يبقى بالأسفل يركد، وما بينهما ينطفئ.

الرجل مثل قطعة الحديد التي يتم تحولها فقط بفضل النار. نفس الشيء ينطبق على النار السماوية والتي هي المحبة الإلهية يمكن أن تضعه في تلك الحالة الروحية الجديدة، يخلع فيها شكله ونفسه القديمة المضطربة التائهة ليضع حلة جديدة مشعة براقة، وهذا ما عبرت عنه كل الحضارات القديمة التي تحدثت عن النار الحقيقية داخل النفس والروح، وهذا هو الأساس لعلم الخيمياء الذي كان معروفًا لدى الإغريق والعرب والفراعنة والهنود ومعظم الحضارات الأخرى. هذا التحول لا يحصل طبعًا بدون عقبات ومصاعب، وفي الحقيقة فهذه العقبات والآلام التي يمر بها هي التي ستقوي إيماننا وتعطينا تلك الحالة الجديدة وتسمح لهذا التحول بأن يكون له معنى.

لننظر إلى لهب صغير، فنجد أنه بنفخة هواء صغيرة بسيطة يمكننا إطفاؤه، ولكن أليس الهواء نفسه هو الذي يؤدي لانتشار الحرائق واللهب وإشعالها أكثر. يعبر اللهب عن الروح، وإذا لم نغذه بالأوكسجين الكافي يخمد أمام أصغر عقبة تقف في طريقه. وماذا يغذي الروح؟ الصلاة، التأمل، البهجة، العطاء، الإحسان والمحبة طبعًا... لماذا؟ لأن كل هذه الوسائل تسمح للروح بالانتشار، التوسع. وماذا يطفئها؟ الأنانية، التكبر، التقوقع على الذات، البخل، الكره والحقد... لماذا؟ لأنها تجعل الروح تنكمش على نفسها.

سيأتي وقت تنطفئ شمعة كل إنسان منا وهذا حتمي طبعًا، ولكن أليس استمرار شعلتنا هو بإعطاء ما تعلمناه وما كسبناه للآخرين، وعندها ستمتد شعلتنا من خلال الآخرين، وسيضيف عليها الآخرون من ذاتهم ومن روحهم، وبذلك تكبر وتنتشر هذه الشمعة.

تعبِّر النار عن الحدود الفاصلة بين المستوى الفيزيائي والمستوى الأثيري، ولذلك اعتبرت النار عبر التاريخ العنصر القوى للتخاطب مع المستوى الروحي.

تميزت كل مرحلة كبيرة من عمر الأرض بتغلب عنصر معين من العناصر الأربعة. تمر الأرض حاليًا بتغلب عنصر النار، لذلك كان من الهام جدًا معرفة كيفية التعامل مع رمز النار ومع الشمس ومع الشمعة، وأن ننظر لها ببعض الاحترام، وهي بدورها تعيد لنا هذا الاحترام بأن نتصل بكل ما هو في الطبيعة والكون. نستطيع أيضًا الشعور بالحماية لأن النار عنصر حماية قبل أن يكون تهديدًا.

عندما نشعل النار، نمسك بالمقدح ونشعل ورقة لتشعل بدورها الأغصان الصغيرة ومن ثم الجذوع الكبيرة، وهذا تمامًا ما يحصل في الجسم، فالمقدح يعبر عن الجسم السببي Causal Body أو الروح التي تشعل الورقة أو المستوى العقلي، لتشعل الأغصان الصغيرة أو المستوى العاطفي لتشعل الجذوع الكبيرة أو الجسم الفيزيائي، فكل شيء يبدأ بالروح ومن ثم العقل ومن ثم العاطفة ومن ثم الجسم، ولا يتحقق أي شيء على المستوى المادي ما لم يكن موجودًا على المستوى الروحي والعقلي والعاطفي. لا بد من وجود الوحي أولاً، ثم الإرادة ثم الدافع النفسي ليتحقق الشيء. عند القيام بأي مشروع، لا بد من وجود الوحي أو الومضة الفكرية ثم الإرادة ثم الاندفاع النفسي والعاطفي ليتبلور هذا المشروع.

من المهم جدًا عند كل إنسان إشعال تلك النار الداخلية فيه، ويوجد في كل إنسان نواة أو أتون جاهزة مع كل التفاعلات الكيماوية الضرورية لإشعال تلك النار، ومن أهم الطرق المساعدة الصلاة والتأمل وتمارين التنفس والمحبة.

يمكن القول بوجود نوعين من النار: النار العاطفية الناجمة عن الرغبات الدنيا، والتي تستهلك الإنسان من خلال آلام ومعاناة كبيرة من خلال مشاعره الأنانية الضيقة والجنسية والقصيرة الأمد، والنار الروحية التي تحرر الإنسان من نواقصه وضعفه، وتظهر للوجود كل ما هو نقي ونبيل فيه، وتحرق فقط النواقص فيه.

من أجل إظهار هذه النار الروحية، لا بد من تهيئة النفس لتقبل تلك الطاقة الهائلة، وإلا أحرقتها. يتم التحضير والتقبل من خلال نقاء النفس والمحبة والطيبة والعدالة والحكمة.

عندما نحرق جذع شجرة أو أغصان شجرة، يبقى الرماد، وإذا نظرنا إلى حجم الرماد، سنجده أقل بكثير وكثير من حجم الشجر الذي احترق... لماذا؟ لأن كمية التراب أو الأرض في الشجرة هي الأقل، بينما الماء أكثر بكثير والهواء أكثر بكثير، وأشعة الشمس أو النار أكثر بكثير؛ فالضوء وأشعة الشمس لا بد لهما من مادة لامتصاصها، ولكن في النهاية الجسم المادي أصغر وأقل من الجسم الطاقي أو غير المادي.

عندما تقوم بعض الحضارات بإحراق الإنسان بعد وفاته، ألا يحدث نفس الشيء؟ ألا يكون الرماد كمية قليلة بالمقارنة مع كامل الجسم؟ ألا يكون الرماد كمية أقل من الماء والذي بدوره أقل من الهواء وأقل من الطاقة الموجودة. نحن كائنات من تراب وماء (أو ين)، ولكن أيضًا من هواء ونور (أو نار) (أو يانغ). إن النار هي التي تحرر من كل ما هو مادي، ومن كل قوقعاتنا وأغلفتنا. إن الطاقة المتحررة المكبوتة ضمننا تتحرر وتنطلق إلى العوالم السماوية. تفتح النار مسامات الشجرة لتنطلق تلك الطاقة، وهذا صحيح أيضًا بالنسبة لنا. إن صوت الفرقعات الحاصل هو أصوات أغاني النصر للروح المتحررة. تصبح الشجرة نارًا لأن النار تلتهمها.

-       الماء:

الماء هو السائل الحيوي للأرض، والأنهار هي الشرايين والأوردة، والبحيرات هي الضفائر العصبية. الماء كالدم يعطي الحياة لكل الأشياء، للنباتات والحيوان والإنسان وحتى للحجارة والبلورات التي تحتاج للماء لتتشكل. الحجارة الكريمة لا تتكون إلا بفضل جزيئات الماء. من الضروري جدًا أن نعطي للماء قيمته الحقيقية ودوره الفعَّال في حياتنا الروحية والعاطفية والعقلية.

كيف لا نشعر بالفرح أمام تلك المادة التي لا لون لها ولا طعم واضح لها، وهي تعبر عن المبدأ الأنثوي الكوني، وأول شيء علينا فعله هو التعامل مع الماء باحترام وتقدير لما يعطيه لنا، ولا ننسى المسير الطويل الذي مرت به قطرة الماء من المياه الجوفية والنبع للنهر حتى وصلت عندنا. لنشرب الماء ونحن نقدر طعمه ولمسه، لنستحم ونحن نشعر بعذوبة الماء وملمسه الرائع ونشكره، فهو يحمل كل طاقات الكون الذي مر به حتى وصل عندنا، فالماء هو أم الحياة والنار والدها. إن رمزية تحويل الماء إلى خمر من قبل السيد المسيح تعني التحويل إلى دم، إلى حياة.

هل فكرنا مرةً لماذا نشأت الحضارات بأكملها على الأنهار والبحيرات والبحار؟ هل يا ترى تذكر أجدادنا أن جذورهم والحياة الأولى نشأت في الماء؟ وطبعًا أدركوا أهمية الماء للحياة اليومية.

هل فكرنا يا ترى لماذا نغسل أقدامنا في عملية الوضوء قبل الصلاة، ولماذا غسل السيد المسيح أقدام تلاميذه، ولماذا يغسل الهندوس أقدامهم وأجسامهم في نهر الغانج. ليس المهم أن نغسل أقدامنا فقط، بل أن نعرف كيف نغسلها، ففي الأقدام مسارات عصبية مرتبطة بكل الجسم، فمن خلال نهايتنا العلوية في الرأس نرتبط بالسماء ومن خلال أقدامنا نرتبط بالأرض.

يجب أن نغسل أقدامنا بكل محبة، فأقدامنا هي التي احتملتنا طوال تلك السنين، وبإعطائها جزءًا من محبتنا وتدليك النقاط المختلفة فيها نساعد كل أعضائنا.

إن الماء الذي نشربه ونلمسه ما هو إلا التعبير المادي عن السائل الكوني الذي يملأ الفضاء، ونحن من خلال غسلنا وشربنا للماء، نلمس عنصرًا روحيًا من الطبيعة. إن الماء المادي يحتوي على كل عناصر الماء الروحي. علينا فقط أن نتعلم كيف نستقبل تلك الطاقات.

ماذا تعلمنا الكتب السماوية عن الجنة؟ ألا تذكر الأنهار والينابيع والماء والعسل؟ ألا يعطينا هذا فكرة كيف أن الأرض وما عليها ما هي إلا تعبير عن العوالم الأخرى.

كلنا يعرف تمامًا دورة الماء التي تبدأ نقية وبلورية على مستوى الجبال ومن ينابيعها، ثم تدخل فيها الشوائب تدريجيًا وتتراكم الأوساخ رويدًا رويدًا سواء من الطبيعة، والأكثر من الإنسان نفسه الذي يعتبر أكبر مسيء للطبيعة. تصل المياه وسخة إلى البحر، ولكن من خلال أشعة الشمس الدافئة، تتحول إلى بخار وتصعد من جديد للسماء، ومن ثم تهبط مجددًا من خلال الأمطار والثلوج لتصنع نبعًا أو ساقية أو نهرًا، وتستمر الحلقة، وبعكس النار تمامًا والتي من خلال تمثيلها للروح ليست مضطرة لمثل هذه التحولات، لأنها نقية من الأصل.

رحلة الماء رمزية جدًا وتشبه رحلة الإنسان بين السماء والأرض، رحلة روحه من الولادة حتى الممات، رحلة كل صفة من صفاتنا الإنسانية النفسية والجسدية، حتى في المعرفة علينا التصاعد من أجل معرفة أفضل وعلينا التنازل من أجل مساعدة الآخرين، وإلا فما هي فائدة المعرفة؟ وإن الابتعاد عن الناس والتكبر عليهم أو الخوف من التعامل بطريقتهم من أجل عدم التلوث والاتساخ حجة سخيفة، وإنه من الأفضل الاقتراب من الناس ومساعدتهم قدر الإمكان حتى إن كنا سنخطئ ونتسخ، فهذا الاتساخ والتلوث له دروسه وفوائده أكثر بكثير من العزلة، فلنتعلم كيف نتصاعد ونهبط، كيف نستقبل ونعطي.

يتواجد الماء في كل العناصر ذات الصفات الامتصاصية والمرنة، فهو ليس له شكل يحتويه. لا لون له، ولكن يصبح بسهولة أحمر، أخضر أو أصفر حسب ما يمتص من أشياء أثناء عبوره بها. الماء يمتص كل شيء، السيء والجيد. الأرض طبعًا لها صفات الامتصاص ولكن ليس لها صفات المرونة والعبور كالماء. في المقابل، الهواء شديد المرونة لدرجة لا يحتفظ طويلاً بما يمتصه، وهو يتجدد أكثر من الماء.

ومن هنا فإن للماء دور امتصاص شديد، فهو يمتص العناصر الجيدة والعناصر السيئة، الطاقات الجيدة والطاقات السيئة بسهولة بالغة. كما أن علينا معرفة مصدر الماء وصلاحيته للشرب، علينا أيضًا مراقبة أفكارنا ومشاعرنا ونحن نشرب الماء؛ فشرب الماء بأفكار ومشاعر جيدة، يغذينا بطاقات إيجابية وصحة، أما شرب الماء بأفكار مؤذية، يسبب لنا المرض. لقد أثبت هذا الأمر العالم الياباني Masaru Emoto من خلال دراسته للبلورات المتكونة من ماء تعرض لظروف مختلفة وأفكار جيدة وسلبية وصلوات مختلفة... الخ.

يحمل الماء قلقنا وأحزاننا، كما يحمل صفات النبات الطبي الذي نشربه، لذلك فنحن نشرب البابونج واليانسون والنعنع... الخ. إن للاستحمام دورًا كبيرًا أيضًا، فالاستحمام مع فكرة أننا نغسل كل أحزاننا وأتراحنا وقلقنا، يساعدنا، أما في حالة كنا مرحين وفرحين جدًا، فالأفضل أن نؤجل الاستحمام حتى لا تزول هذه المشاعر بسرعة.

من إحدى التجارب المعروفة أن نضع ماء نقيًا في كأس ونغسل أيدينا جيدًا، ونضع إصبعًا أو إصبعين بالماء ونحن نركز على صفة حميدة نريد اقتناءها، وهذا ما يسمى مغنطة الماء Water magnetization. لما كان الماء يحوي صفات الامتصاص والتحاور، فهو يحوي من خلال أنهاره وبحيراته ومحيطاته تاريخ الإنسانية البائس بأكمله. إذا أخذنا قطرة ماء وحاولنا الإصغاء لها، ستخبرنا عن الأرض والبحر والسماء والإنسان بأكمله.

قيل في الكتب المقدسة إن الله سبحانه وتعالى فصل المياه العليا عن المياه الدنيا. لقد احتوت المياه العليا تلك على أرشيفات الكون، هذه المكتبة الكونية التي تسمى أحيانًا Akasha Chronica. ليس للماء وحده تلك القدرات الشافية، بل كل عنصر من عناصر الطبيعة الأربعة له قدرات مماثلة أو مكملة؛ فلطالما استخدمت القبائل القديمة النار، وبالذات النار الصاعدة من الأشجار المحترقة كوسيلة للشفاء. عندما نجلس حول نار صادرة من أشجار محترقة ونشعر بأهمية تلك الأشجار وفائدتها وماذا فعلت للإنسانية، والصحة التي تعطيها، سنجد أن تلك النار ستشفينا من أمور متعددة. علينا ألا ننسى أن الشجرة بحد ذاتها هي مزيج من العناصر الأربعة.

للكون شوق دائم للتعبير عن نفسه، وهذا يظهر من خلال أي شيء: عيني الطاووس بين جناحيه الرائعين، انعكاس الأجرام السماوية على الماء الراكدة، الشوق الإنساني الدائم للنظر في غياهب الكون وغباره الذي ينتمي إليه، والماء طبعًا لا يخرج عن القاعدة؛ فالماء يريد دائمًا التعبير عن نفسه ويشعر بأقل الاهتزازات، ويتأثر ويتفاعل مع إيقاعات الكون والسماوات تمامًا كأوتار الآلة الموسيقية من خلال تفاعله مع المد والجزر، وهو يصل الأرض الصلبة تحته بالسماء الرقيقة فوقه، وهو يرتفع وينخفض باستمرار من خلال التبخر والتكثف.

لنتأمل حركة الماء فمن خلال تياراته تتكون الحياة، وهناك نباتات وحيوانات تعتمد بأكملها على حركة الماء مثل قنديل البحر والطحالب والأشنيات. يعتمد عمل العين بحد ذاته على وجود حاجزين جوفيين مائيين، وخلال تكون العين يسيل الماء بين الجوفين، ثم يتكون حاجز بلوري حساس لحركة تلك الماء.

-       التراب أو الأرض:

عنصر التراب هو العنصر الهيكلي التركيبي الأساسي، والذي بفضل الماء والهواء ومن ثم النار يتحول إلى الحياة العضوية. التراب عنصر ين كما ذكرت، ولكن أقل ينية من الماء. الأرض أو التراب هو العنصر الذي يسمح للماء بالالتقاء مع الهواء والنار. الأرض هي الأم، هي التي تعطف علينا، هي التي تعطينا جسدها لنمشي عليه، لنستلقي عليه، هي التي تعطينا ما نأكل وما نلبس وما نسكن تحته، وبالمقابل كيف نرد لها جميلها؟ بالإهمال والحروب ورمي النفايات العضوية وغير العضوية والكيماوية والبيولوجية والذرية، وحرق الغابات وتلويث المياه، والهجوم على البترول والغاز الذي يسيل فيها كسيلان الدم في أجسادنا. للأسف، فإن كانت الإنسانية تسيء للعناصر الأربعة، فهي تسيء للأرض أضعاف ما تسيء لغيرها. كيف يمكن لإنسان أن يدعي محبة والدته، وهو لا يحب الأرض.

أهمية المرتفعات والجبال: تشبه الجبال المستقبلات الضخمة التي يتم عن طريقها تخاطب السماء مع الأرض، لذلك يكون للماء النازل من الجبل أهمية خاصة، فهو مليء بتفاعلات جوية من خلال بخار الماء والغازات الأخرى، لذلك نجد أن معظم الحكماء والأنبياء قد اختاروا الجبال من أجل صلواتهم وتأملاتهم.

كان من المهم دائمًا أن يقوم تلاميذ معظم الحكماء بالصعود للجبال من أجل التخاطب مع السماء جسديًا وروحيًا وداخليًا. إن كل الوديان والقمم والشلالات والبحيرات والثلوج لها دلالاتها على الحياة الروحية، ومن يتأمل داخليًا يعرف تمامًا شعور التصاعد مثل قمم الجبال، ويعتقد أن للجبال ملائكتها الخاصة وعوالمها الخاصة والتي تحتوي على الكثير من النور؛ ومن أجل الدخول إلى تلك العوالم، لا بد من الصعود إلى تلك المرتفعات والمستويات، والأهم من ذلك، لا بد من دخول تلك العوالم بقلب مفتوح وروح نيرة.

تمثل المرتفعات الأجسام العقلية الأعلى للبلدان التي تتواجد فيها، فالجبل الأبيض Le Mont Blanc هو الجسم العقلي الأعلى لفرنسا وإيطاليا وسويسرا، كما أن أفرست هي الجسم العقلي الأعلى للتيبيت ونيبال والهند، كما أن قمم Moussala هي لبلدان البلقان، وسلسلة لبنان الغربية والشرقية لسوريا ولبنان، وجبال الروكي والسموكي لأميركا وكليمنجارو لتنزانيا ودول إفريقيا. يعرف التلميذ المجتهد تمامًا أنه بصعوده للجبال، يقترب من نفسه وروحه أكثر، وقد عرفت الأديان كلها هذا الشيء. كلنا نعرف الشعور الذي نحصل عليه ونحن نتنفس بعمق في الجبال، والغبطة الروحية التي نشعر بها عندئذ. لذلك، كان من المهم جدًا أن نتأمل بالجبال ونفكر بها ونحن ننام. من هنا يأتي غنى الماء؛ فالجبال العالية تحتوي على الطاقات السماوية، وهي تعطيها للماء المنحدر من الجبال.

-       الهواء:

من أجل فهم النار، لا بد من فهم الهواء أيضًا؛ فللهواء تأثير تنظيمي للنار، فهو قد يساعد على انتشارها وإشعالها، أو إخمادها كما نفعل بالنفخ في الشمعة. إذا كانت النار تعبر عن المحبة، فالهواء يعبر عن الحكمة، فلكي يكون الحب مفيدًا وغير انفعالي أو مخرِّب، لا بد له من الحكمة التي تحدد كمية الحب وتوازنه. بدون الحكمة، يصبح الحب مشوشًا مضطربًا، وإن الأشخاص الانفعاليين يتعرضون دائمًا للهياج والفوضى، وبالمقابل فإن إخماد النار تمامًا يصيبنا بالبرودة والتجمد ولا يعود هناك بريق في حياتنا. لذلك كان من الضروري جدًا إحداث توازن بين العقل والقلب، بين الحكمة والحب، بين الهواء والنار.

نظرة جديدة إلى العناصر الأربعة

العناصر الأربعة المعروفة ليست إلا التظاهرات الخارجية للعناصر الحقيقية أو المبادئ الأساسية التي تفرعت من الوحدة. لعنصر الماء الصفات المغناطيسية، فهو يغذي ويدعم الوجود، أما عنصر النار فله الصفات الكهربائية الخلاقة وهو يغير الوجود من شكل إلى آخر، أما الهواء فهو عنصر فصل وهو الذي يسمح أصلاً بتواجد النار والماء معًا، أما عنصر الأرض أو التراب فيسمح لتواجد النار والماء والهواء بنسب معينة تسمح لتكوين الأشياء والطبائع المختلفة.

لنفهم العناصر الأربعة في الطبيعة. الشجرة مثلاً تمتص الماء والمعادن من الأرض من أجل النمو أي عنصر الماء والأرض، وتتنفس الهواء من أوراقها وتمتص أشعة الشمس أو عنصر النار. عندما نحرق شجرة يعود إصدار هذه العناصر، فالماء يتبخر، والضوء الممتص سوف يعطي النار المنبثقة، والهواء المتنفس والأوكسجين سوف يساعد عملية الاحتراق، والمواد المغذية الممتصة سوف تعود لرماد، مصدر جديد للمعادن ولأنماط جديدة للحياة. يحوي الإنسان هذه العناصر الأربعة في داخله، ولكنه يحويها بنسب تتفاوت قليلاً بين إنسان وآخر على المستوى الجسدي، أما على المستوى النفسي والروحي فالعناصر الأربعة الحقيقية أو طلائعها تتفاوت بنسب أكبر، ويجب أن يكون هناك توازن معين بينها حسب نسبة معينة في كل إنسان، وإن اختلال هذه النسبة والتوازن، يعرضه للأمراض المختلفة.

طبقًا لتغلب عنصر معين (أو خلط معين من الأخلاط الأربعة حسب الطب الإغريقي والعربي)، يمكن لهذا الإنسان أن يكون صفراويًا (كوليريًا) أو دمويًا، أو سوداويًا (مالنخوليًا) أو بلغميًا. تظهر أهمية هذه الأخلاط والطبائع جدًا من الناحية الاجتماعية، لأنها تجعلنا ننظر إلى المادة من زوايا مختلفة واضعين كل الاحتمالات من أجل كمال أكبر. في الحقيقة فإن الطبائع الاثني عشر للإنسان من خلال الأبراج الاثني عشر ما هي إلا تفاعل هذه الأنماط الأربعة بدرجات مختلفة، أو أن كل عنصر من العناصر الأربعة بمرحلة صعود، قمة وهبوط، وهذا ما يعطي 3 أبراج مائية و3 نارية و3 ترابية و3 هوائية. إن تفاعل النمطين الأساسيين للماء والنار نجدهما من خلال علاقة الرجل بالمرأة. العنصر بحد ذاته حيادي وليس إيجابيًا أو سلبيًا، وإنما الإنسان هو الذي يجعله كذلك بتصرفاته ومعتقداته وأعماله.

عنصر النار: صفراوي، كوليري

الصفات الإيجابية: القوة، الحماس، التعاطف، الشجاعة، الإرادة وأخذ القرار، قوة الخلق، التحدي.

الصفات السلبية: الميل للحروب والصراع، النزق، الميل للتحطيم، عدم الاعتدال، الميل للتطرف، الغيرة، الشر، الانتقام، العنف، الكره، الغضب.

عنصر الهواء: دموي

الصفات الإيجابية: اليقظة، التحرر وعدم القيود، دفء القلب، الثقة بالآخرين، الوضوح، الخفة، الاستقلال، التفاؤل، الاجتهاد، الدقة، الفرح، الابتسام.

الصفات السلبية: قلة الصبر، عدم الصدق، الثرثرة، الاحتيال، انتقاد الآخرين Backbiting، عدم الثبات، النزق، التبذير.

عنصر الماء: بلغمي

الصفات الإيجابية: التفهم، المرونة والليونة، الاعتدال، الثقة، الإخلاص، الرحمة، التسامح، التواضع، التعاطف، الحماس، الطبيعة التأملية الداخلية.

الصفات السلبية: عدم الاهتمام والاكتراث، الكسل، الخمول، الصلابة، فقدان الاهتمام، عدم الاستقرار، الكآبة.

عنصر الأرض: مالنخولي

الصفات الإيجابية: الثبات، الوعي، ، الاستمرار، الدقة، الحذر، المسؤولية، الانتباه، ثبات الرأي، مصدر ثقة، الصحو، الطموح، الاحترام.

الصفات السلبية: الشعور الخانق/السطحية، الكسل، عدم الاكتراث، عدم الوعي، الخجل، عدم الانتظام، الاحتقار، ثقل الظل.

إن تأملنا بشكل أكبر أقوال الأقدمين والحضارات القديمة، وما عبر عنه لاحقًا بشكل علمي كل من Gurudjieff وKarl Jung بمبدأ الأنماط البدئية أو الـ Archetypesبمعنى أن كل شيء نراه ونسمعه ونلمسه في الدنيا هو صورة عن مبدأ أعلى موجود في العوالم العليا، لوجدنا أن مبدأ اليانغ أو الذكورة موجود في كل ما هو ذكري، مندفع، قوي، اتجاهه للخارج، صلب، قاس، حار، نهاري، ومبدأ الين الأنثوي يتظاهر بكل ما هو أنثوي، هادئ، لطيف، اتجاهه للداخل، ليلي، بارد... الخ.

لنسمع صوت الطبيعة وما حولنا من حجارة ونباتات وأشجار وحيوانات وأصوات العناصر الأربعة من خلال الحجارة، الرمال، المطر، الثلج، الهواء، الشمس، النجوم؛ فهناك الكثير مما يجب ملاحظته وفهمه. يكفي النظر إلى الغيوم ورؤية أشكالها وألوانها لنرى عالمًا كاملاً من الفرسان والأفراس والمعارك والأعياد والاحتفالات... إلخ.

لماذا نشعر بالضياع وعدم التوازن والاكتئاب والغضب... إلخ؟ لأننا جعلنا من أفكارنا وأحاسيسنا تجمعات وكتل تحولت إلى أورام على المستوى النفسي، وعندها علينا القيام بالشيء نفسه عكسيًا وهو صهر هذه الأورام من خلال نار الروح، وخلق مظاهر تعبير أكثر نقاء وشفافية وتوازنًا. لنبدأ بالتركيز على الشمس وعلى النور والدفء الذي يملأ الكون. لنحاول فهم طبيعتها لتساعدنا في فهم طبيعتنا. كل ما هو موجود بالكون موجود فينا.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة