لاجئة سورية: لا أقبل لنفسي أن أكون مجرد زوجة

  08 ‏مارس 2018    قرأ 914
لاجئة سورية: لا أقبل لنفسي أن أكون مجرد زوجة

نسرين حسن شابة كردية سورية خاضت غمار تجربة فريدة كلاجئة استطاعت الاندماج في مجتمع غريب بزمن قياسي تصل من خلاله إلى المحافل الدولية للدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان. تروي نسرين وهي عازفة غيتار لبي بي سي كيف استطاعت أن تصبح ملهمة لقريباتها وصديقاتها من الشابات السوريات في المهجر الذي عادة ما ينعزل فيه اللاجئون عن المجتمعات الجديدة التي ينضمون إليها.

تقول نسرين عن تجربتها:" عندما كنت أمشي وسط حينا في مدينة حلب متوجهة إلى المعهد الموسيقي والغيتار على ظهري، وأنا لم أتجاوز الرابعة عشر من عمري، كان الجيران يندهشون مما أقوم به، لأن والدي كان رجلاً ملتزما دينياً وجميع أهالي الحي يكنون له كل الاحترام، فكيف لابنة شيخ أن تحضر معهداً كهذا".

وتضيف أن " الكثيرات تأثرن بي و بجرأتي في ممارسة هوايتي، بينما أخريات كن يشعرن بالشفقة على حالي، وكيف أن طريقة تفكيري بعيدة عنهن، فلم أكن ممن يتزين كثيرا بمساحيق التجميل والإكسسوار ولم أحصر أحلامي في الحصول على زوج، بل كان كل تركيزي على ممارسة الموسيقى والمشاركة في الحفلات الطلابية من عزف وغناء".

كانت نسرين تؤمن بما تُقدم، فقد كان حلمها أن تُدخل موسيقى الفلامينكو إلى الأغاني المحلية لخلق نوع يتذوقه الشباب بعيداً عن الإيقاع البطيء الذي كانت تجده مملاً.

"لم يكن ما أقوم به يروق لأقربائي الذين كانوا يظنون أنني أتعلم الموسيقى من أجل تسلية زوج المستقبل والعائلة فقط، وأن عزفي لعامة الناس هو دون المستوى. لكن رفضهم أزادني قوة وإصراراً على متابعة قناعاتي".

وتتابع: "كنت أدرك أنني لن أستطيع أن حياة عادية بأن تكون زوجةً وأماً فقط، بل أصبحت السياسة تجري في عروقي".

وتحدثت نسرين عن كيف كانت النساء من قريباتها مؤمنات بأنها ستترك ما تمسكت به وقتها لأنها ستصبح يوماً ما في عمر الزواج وبالتالي تتفرغ للزوج وواجبات الأسرة.

لكن نظرة المجتمع السلبية للمرأة دفعتها إلى أن تختار دراسة الحقوق وعن هذا تقول: "كنت شغوفة بتفاصيل جميع القوانين الخاصة بالمرأة في كلية الحقوق، تخرجت منها بدرجات عالية جداً، تؤهلني للدراسة في معهد القضاة، ولكن لم يتم قبولي لسببين وهما سمعتي في النشاط السياسي وخاصة في فترة الدراسة في الجامعة والتي كانت بالمجمل معارضة للحكم وعدم انتسابي للحزب الحاكم، البعث، الذي كان ومازال يحكم سوريا".

"تقليد تركي" بخصوص النساء يعيق تقدم البلاد

كيف استطاعت لاجئات كسر حاجز الخوف؟

سوريات "يتعرضن للاستغلال الجنسي مقابل الحصول على مساعدات إنسانية"

نشاطات
وعن أيام الدراسة تضيف: " كانت أعوام ما بين 2004 و 2008 من أكثر الأعوام التي لم أهدأ خلالها عن القيام بالنشاطات الفنية والسياسية بين فئة الشباب. من ضمن النشاطات الطلابية التي نقوم بها أنا و زميلاتي هي تنظيم الرحلات الطلابية التي كنا نلقي فيها خطاباتنا وبياناتنا السياسية، بالإضافة إلى ممارسة فلكلورنا وأغانينا الكردية.

وكنت من العازفات اللواتي يسعين إلى إضافة الصبغة الغربية الشرقية. كما كنت أقدم الحفلات المصبوغة بالطابع السياسي المعارض وخاصة في أعياد النوروز.

كانت تقوم بنشاطات فنية لنشر الوعي السياسي في أوساط الطلاب الأكراد، وبدأت المضايقات تلاحقها حيثما تحركت، لم يكن باستطاعتها أن تقوم بعمل لخدمة حقوق الإنسان إلى أن قررت الهجرة إلى السويد عام 2008.

الهجرة إلى السويد
انتقلت نسرين إلى مدينة فيستروس في السويد عام 2008 ليكون بمقدورها ممارسة النشاطات السياسية التي كانت محظورة عليها في سورية. وكغيرها من اللاجئين، لم يكن سهلا عليها البدء من الصفر بعد أن كانت قد أنهت دراستها في كلية الحقوق، ولم تلق تشجيعاً من اللاجئين على المسير إلى الأمام، لكنها قررت أن تغير فكرة اللاجئين وطموحاتهم الغائبة وتفعل ما لم يكن مسموحا لها فعله في بلادها.

وعن تجربتها في السويد تتابع: " قررت أن أكون قوية بل مصرة على فعل شيء يغير نظرة السويديين عن اللاجئين".

وعندما وصلت إلى مدينة فيستروس، لم يكن لها دور في تغيير وجهة النظر لموضوع الاندماج لدى اللاجئين الذين يشعرون بأنهم غير مرحب بهم. وأرادت أن تلعب دور سفيرة لمجتمعها لدى المجتمع السويدي وتثبت لهم أنهم شعب يستطيع فعل الكثير إذا ما أُتيحت لهم الفرصة.

أنهت نسرين دراسة اللغة السويدية التي درستها بشكل مكثف جداً خلال أقل من عام، وفي نفس الوقت عملت مع منظمات اللاجئين بشكل طوعي لاكتساب الخبرة في القوانين السويدية، وممارسة اللغة. وكانت من خلال عملها تقدم النصح والإرشاد للاجئين وكل ما يخص حياتهم الجديدة هناك من تعليم واندماج في المجتمع وقضايا لم الشمل وأي شيء قانوني لرسم مستقبلهم بالطريقة الصحيحة. ثم توظفت بشكل رسمي في مكتب العمل حيث أصبحت المسؤولة عن اللاجئين السوريين والعرب بشكل عام.

وبعد عام من وصولها، انخرطت نسرين في النشاط السياسي السويدي بالانضمام إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وعن هذا تقول: " تزامن انضمامي للحزب مع دخولي للجامعة لدراسة العلوم السياسية لأنني أدركت أن التغيير يأتي من الأعلى، من مركز القرار. آمنت بأفكار وأيديولوجية الحزب لأنه في مبادئه يركز على عامة الشعب".

بعد أن اصبحت عضوة رسمية بدأت بالبحث عن أفضل المشاريع والأفكار التي تخدم هذه الشريحة، وتمكنت من عمل الكثير للاجئين، مثل إعفاء أبنائهم من شراء بطاقات السينما، وتعليمهم دروس الموسيقى مجاناً وإشراكهم في النشاطات الفنية للأطفال مثل لعب أدوار تمثيلية مسرحية ونشاطات رياضية بالإضافة إلى اجتماعات أولياء أمورهم لتقديم المزيد من الخدمات.

ثم حصلت نسرين على بعثة دراسية إلى بروكسل وفرها لها الحزب للتعمق في كيفية طرح ومناقشة القضايا العالمية وقضايا اللاجئين وأمور أخرى. تلى ذلك منحة من مفوضية اللاجئين الدولية للذهاب إلى جنيف والاطلاع على عمل المنظمات الدولية هناك. وكانت تجربة جنيف بالنسبة لها القفزة النوعية الثانية التي غذت طموحها وعززت من ثقتها بقدراتها.

وعن حقوق المرأة تقول إن نشاطاتها توسعت لكن تركيزها الأكبر كان على حقوق المراة وحقوق الانسان عامة.

وفي عام 2014، أُنتخبت عضوة في البرلمان المحلي لمدينة فيستروس، واستلمت عملها في المدينة. كانت مسؤولة عن شؤون اللاجئين، وعملت قدر المستطاع على نشر الوعي بين القادمات الجدد، ليس فقط الكرديات والسوريات بل مختلف الجنسيات لتغيير نظرة السويديين عن اللاجئين السوريين إلى الإيجابية وبأنهم منتجون ومبدعون إذا ما توفرت لهم الظروف.

وبعد مبادرة الاندماج التي أطلقتها وعملت بها لفترة، حازت على ثقة وتقدير المسؤولين لجهودها والنتائج المثمرة التي حققتها. ثم عملت مراقبة على الأحكام النهائية التي كان يصدرها القضاة في محمكة الاستئناف في ستوكهولم، واكتسبت خبرة قانونية اعتبرتها قفزة نوعية كبيرة في حياتها، ساعدتها على القدرة على اتخاذ القرارات وهي لا تزال في عمر السادسة والعشرين.

واصلت نسرين طريقها الذي اختارته بإكمال دراستها العليا متخصصة في "سياسات الاتحاد الأوروبي" دون أن تلغي حياتها الخاصة التي تريدها أن لا تتناقض مع تاريخها ودورها كإنسانة تنشط في المجال العام.


مواضيع:


الأخبار الأخيرة